يشاهدوها أو يروها.
فقوله : (بِالْغَيْبِ) حال من المفعول وهو (عِبادَهُ) أى : وعدهم بها حالة كونهم غائبين عنها ، لا يرونها ، وإنما آمنوا بوجودها بمجرد إخباره ـ سبحانه ـ لهم بذلك.
وقد أكد ـ سبحانه ـ هذا الوعد لهم في الدنيا بقوله : (إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا) أى : إنه ـ تعالى ـ كان وما زال ما وعد به عباده وهو الجنة (مَأْتِيًّا) أى : يأتيه ويصل إليه من وعده الله ـ تعالى ـ به ، لأنه ـ سبحانه ـ لا يخلف وعده.
فقوله : (مَأْتِيًّا) اسم مفعول من أتاه الشيء بمعنى جاءه ، وقيل : هو اسم مفعول بمعنى فاعل ، أى : إن وعده ـ سبحانه ـ لعباده كان آتيا لا ريب فيه.
ثم وصف ـ سبحانه ـ الجنات وأهلها بما يحمل العقلاء على العمل الصالح الذي يوصلهم إليها بفضله ـ تعالى ـ وكرمه فقال : (لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً إِلَّا سَلاماً ..).
واللغو : هو فضول الكلام ، وما لا قيمة له منه ، ويدخل فيه الكلام الباطل.
وقوله (إِلَّا سَلاماً) الظاهر فيه أنه استثناء منقطع ، لأن المستثنى ليس من جنس المستثنى منه.
أى : لا يسمعون فيها كلاما لغوا ، لكنهم يسمعون فيها سلاما. أى : تسليما من الملائكة عليهم ، كما قال ـ تعالى ـ : (وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ ..).
أو يسمعون فيها تسليما وتحية من بعضهم على بعض ، كما قال ـ تعالى ـ : (وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ).
قال الآلوسى : قوله إلا سلاما ، استثناء منقطع ، والسلام إما بمعناه المعروف.
أى : لكن يسمعون تسليم الملائكة عليهم ، أو تسليم بعضهم على بعض ، أو بمعنى الكلام السالم من العيب والنقص ، أى : لكن يسمعون كلاما سالما من العيب والنقص.
وجوز أن يكون استثناء متصلا ، وهو من تأكيد المدح بما يشبه الذم ، كما في قوله :
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم |
|
بهن فلول من قراع الكتائب |
وهو يفيد نفى سماع اللغو بالطريق البرهاني الأقوى. والاتصال على هذا على طريق الفرض والتقدير ، ولو لا ذلك لم يقع موقعه من الحسن والمبالغة» (١).
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ١٦ ص ١١١.