ولفظ الخلف بسكون اللام ـ الأولاد ، والواحد والجمع فيه سواء ، وأكثر ما يطلق على الأشرار والطالحين ، ومنه المثل السائر : «سكت ألفا ونطق خلفا» وقوله الشاعر :
ذهب الذين نعيش في أكنافهم |
|
وبقيت في خلف كجلد الأجرب |
والمراد بهذا اللفظ في الآية : اليهود والنصارى وغيرهم من المشركين الذين جاءوا بعد أنبيائهم ، ولكنهم خالفوا شريعتهم ، وأهملوا ما أمروهم به وما نهوهم عنه.
أما لفظ «الخلف» بفتح اللام ـ فيطلق على البدل ولدا كان أو غير ولد وأكثر استعمالاته في المدح ، ومنه قوله صلىاللهعليهوسلم : «يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ..».
والمعنى : فخلف من بعد أولئك الأخيار الذين أنعم الله عليهم ، خلف سوء وشر ، ومن الأدلة على سوئهم وفجورهم أنهم (أَضاعُوا الصَّلاةَ) بأن تركوها ، أو لم يؤدوها على وجهها المشروع (وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ) التي جعلتهم ينهمكون في المعاصي ، ويسارعون في اقتراف المنكرات.
وقوله (فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) بيان لسوء عاقبتهم ، أى : فسوف يلقى هؤلاء المضيعون للصلاة ، المتبعون للشهوات ، خسرانا وشرا في دنياهم وآخرتهم ، بسبب ضلالهم وتنكبهم الصراط المستقيم.
فالمراد بالغىّ : الخسران والضلال. يقال : غوى فلان يغوى إذ ضل. والاسم الغواية.
وقيل : المراد بالغيّ هنا : واد في جهنم تستعيذ من حره أوديتها. وقيل : هو نهر في أسفل جهنم يسيل فيه صديد أهلها.
ثم فتح ـ سبحانه ـ للتائبين باب الرحمة فقال : (إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ...).
أى : هذا العقاب الشديد للمضيعين للصلاة ، وللمتبعين للشهوات ، لكن من تاب منهم توبة نصوحا ، وآمن بالله ـ تعالى ـ حق الإيمان ، وعمل في دنياه الأعمال الصالحة.
(فَأُولئِكَ) المنعوتون بالتوبة والإيمان والعمل الصالح (يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ) بفضله ـ تعالى ـ ورحمته (وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً) أى : ولا ينقصون من أجور أعمالهم شيئا.
وقوله (جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمنُ عِبادَهُ بِالْغَيْبِ). بدل من الجنة في قوله (فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ).
أى : هؤلاء التائبون المؤمنون العاملون للصالحات يدخلهم الله ـ تعالى ـ جنات عدن ، أى : الجنات الدائمة التي وعدهم الرحمن بدخولها ، وكان هذا الوعد في الدنيا قبل أن