و (كَلَّا) لفظ جيء به لزجرهم وردعهم عن هذا الاتخاذ الفاسد الباطل. أى : ليس الأمر كما توهم الجاهلون من أن أصنامهم ستكون لهم عزا ، بل الحق أن هذه المعبودات الباطلة ستكون عدوة لهم. وقرينتهم في النار.
وشبيه بهذه الآية قوله ـ تعالى ـ : (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعائِهِمْ غافِلُونَ ، وَإِذا حُشِرَ النَّاسُ كانُوا لَهُمْ أَعْداءً وَكانُوا بِعِبادَتِهِمْ كافِرِينَ) (١).
وقوله ـ سبحانه ـ : (إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجابُوا لَكُمْ ، وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ ، وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ) (٢).
وأفرد ـ سبحانه ـ (عِزًّا) و (ضِدًّا) مع أن المراد بهما الجمع. لأنهما مصدران ثم بين ـ عزوجل ـ أن هؤلاء الكافرين قد استحوذت عليهم الشياطين فزادتهم كفرا على كفرهم ، فقال ـ تعالى ـ : (أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا* فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّما نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا).
والاستفهام للتقرير والتأكد و (تَؤُزُّهُمْ) تحركهم تحريكا قويا. وتهزهم هزا شديدا ، وتحرضهم على ارتكاب المعاصي والموبقات حتى يقعوا فيها.
يقال : أز فلان الشيء يئزه ويؤزه .. بكسر الهمزة وضمها أزا ، إذا حركه بشدة ، وأز فلان فلانا ، إذا أغراه وهيجه وحثه على فعل شيء معين ، وأصله من أزت القدر تؤز أزيزا ، إذا اشتد غليان الماء فيها.
والمعنى : لقد علمت أنت وأتباعك أيها الرسول الكريم ، أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين ، وسلطانهم عليهم ، وقيضناهم لهم ، لكي يحضوهم على ارتكاب السيئات ، ويحركوهم تحريكا شديدا نحو الموبقات حتى يقترفوها وينغمسوا فيها ..
ومادام الأمر كذلك. فذرهم في طغيانهم يعمهون ، ولا تتعجل وقوع العذاب بهم. فإن الله ـ تعالى ـ قد حدد ـ بمقتضى حكمته ـ وقتا معينا لنزول العذاب بهم.
وقوله : (إِنَّما نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا) تعليل لموجب النهى ببيان أن وقت هلاكهم قد اقترب ، إذ كل معدود له نهاية ينتهى عندها.
قال القرطبي ما ملخصه : قوله : (إِنَّما نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا) يعنى الأيام والليالى والشهور
__________________
(١) سورة الأحقاف الآية ٥ ، ٦.
(٢) سورة فاطر الآية ١٤.