والسنين إلى انتهاء أجل العذاب .. وقال الضحاك : نعد أنفاسهم وقال قطرب : نعد أعمالهم عدا.
روى أن المأمون قرأ هذه السورة فمر بهذه الآية وعنده جماعة من الفقهاء فأشار برأسه إلى ابن السماك أن يعظه ، فقال : إذا كانت الأنفاس بالعدد ، ولم يكن لها مدد ، فما أسرع ما تنفد ، وقيل في هذا المعنى :
حياتك أنفاس تعد فكلما |
|
مضى نفس منك انتقصت به جزءا |
يميتك ما يحييك في كل ليلة |
|
ويحدوك حاد ما يريد به الهزءا (١) |
وكان ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ إذا قرأ هذه الآية بكى وقال : آخر العدد : خروج نفسك. آخر العدد : فراق أهلك آخر العدد : دخول قبرك.
ثم بين ـ سبحانه ـ عاقبة المتقين ، وعاقبة المجرمين يوم القيامة فقال : (يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً* وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلى جَهَنَّمَ وِرْداً* لا يَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً) و (يَوْمَ) ظرف منصوب بقوله : (لا يَمْلِكُونَ ..). أى : لا يملكون الشفاعة يوم نحشر المتقين .. ويجوز أن يكون منصوبا بفعل محذوف تقديره : اذكر أو احذر ..
وقوله : (وَفْداً) جمع وافد. يقال : وفد فلان على فلان يفد وفدا ووفودا ، إذا أقدم عليه ، وفعله من باب وعد.
ويطلق الوفد على الجمع من الرجال الذين يفدون على غيرهم لأمر من الأمور الهامة ، وهم راكبون على دوابهم. وهذا الإطلاق هو المراد باللفظ هنا.
والمعنى : واذكر ـ أيها العاقل ـ يوم القيامة ، يوم نحشر المتقين إلى جنة الرحمن ، ودار كرامته راكبين على مراكب تنشرح لها النفوس وتسر لها القلوب.
قال الإمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية ما ملخصه : يخبر الله ـ تعالى ـ عن أوليائه المتقين ، الذين خافوه في الدار الدنيا ، واتبعوا رسله وصدقوهم ، أنه يحشرهم يوم القيامة وفدا إليه. والوفد هم القادمون ركبانا ومنه الوفود ، وركوبهم على نجائب من نور من مراكب الدار الآخرة. وهم قادمون على خير موفود إليه ، إلى دار كرامته ورضوانه.
وقال ابن أبى حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج .. عن ابن مرزوق قال : يستقبل المؤمن عند خروجه من قبره أحسن صورة رآها ، وأطيبها ريحا ، فيقول : من أنت؟ فيقول : أما
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ١١ ص ١٥٠.