تعرفني؟ فيقول : لا ، إلا أن الله ـ تعالى ـ طيب ريحك وحسن وجهك. فيقول : أنا عملك الصالح .. فهلم فاركبنى فذلك قوله : (يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً) (١).
وقوله ـ تعالى ـ : (وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلى جَهَنَّمَ وِرْداً) بيان لسوء عاقبة المجرمين بعد بيان ما أعده الله للمتقين من نعيم.
و (وِرْداً) أى : عطاشا. وأصل الورد الإتيان إلى الماء بقصد الارتواء منه بعد العطش الشديد.
أى : ونسوق المجرمين الذين ارتكبوا الجرائم في دنياهم ، نسوقهم سوقا إلى جهنم كما تساق البهائم. حالة كونهم عطاشا ، يبحثون عن الماء فلا يجدونه.
والضمير في قوله ـ تعالى ـ : (لا يَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ ..) يرى بعضهم أنه يعود إلى المجرمين في قوله (نَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ ..).
أى : نسوق المجرمين إلى جهنم عطاشا ، حالة كونهم لا يملكون الشفاعة لغيرهم ، ولا يستحقون أن يشفع لهم غيرهم ، لكن من اتخذ عند الرحمن عهدا وهم المؤمنون الصادقون فإنهم يملكونها بتمليك الله ـ تعالى ـ لهم إياها وإذنه لهم فيها ، كما قال ـ تعالى ـ : (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ..) وكما قال ـ سبحانه ـ : (وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللهُ لِمَنْ يَشاءُ وَيَرْضى) (٢).
وعلى هذا التفسير يكون الاستثناء منقطعا.
قال القرطبي : «قوله ـ تعالى ـ : (لا يَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ) أى : هؤلاء الكفار لا يملكون الشفاعة لأحد (إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً) وهم المسلمون فيملكونها ، فهو استثناء الشيء من غير جنسه. أى : لكن من اتخذ عند الرحمن عهدا يشفع ، فمن في موضع نصب على هذا ... ويرى آخرون أن الضمير في قوله : (لا يَمْلِكُونَ ...) يعود إلى فريقى المتقين والمجرمين.
أى : لا يملك أحد من الفريقين يوم القيامة الشفاعة لأحد ، ولا يملك غيرهم الشفاعة لهم ، (إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ) منهم (عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً) وهم المؤمنون فإنهم يملكون بإذن الله لهم.
والمراد بالعهد الأمر والإذن ، يقال : عهد الأمير إلى فلان بكذا ، إذا أمره به. أو أذن له في فعله.
__________________
(١) راجع تفسير ابن كثير ج ٣ ص ١٣٧.
(٢) تفسير القرطبي ج ١١ ص ١٥٣.