والمراد باليد هنا : كف يده اليمنى.
والسوء : الرديء والقبيح من كل شيء ، وكنى به هنا عن البرص لشدة قبحه.
والمعنى : واضمم ـ يا موسى ـ يدك اليمنى الى عضد يدك اليسرى بأن تجعلها تحته عند الإبط. ثم أخرجها فإنها تخرج (بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ) أى : تخرج منيرة مشرقة واضحة البياض دون أن يعلق بها أى سوء من برص أو مرض أو غيرهما ، وإنما يكون بياضها بياضا مشرقا بقدرة الله ـ تعالى ـ وإرادته.
قال الحسن البصري : أخرجها ـ والله ـ كأنها مصباح ، فعلم موسى أنه قد لقى ربه ـ تعالى ـ.
وقوله : (تَخْرُجْ بَيْضاءَ ...) جواب الأمر وهو قوله : (وَاضْمُمْ يَدَكَ).
وقوله : (مِنْ غَيْرِ سُوءٍ) احتراس لدفع توهم أن يكون بياضها بسبب مرض أو أذى ، وهو متعلق بتخرج.
وقوله : (آيَةً أُخْرى) أى : معجزة أخرى غير معجزة العصا التي سبق أن منحناها لك.
كما قال ـ تعالى : (وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبِّكَ إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ) (١).
وقوله : (لِنُرِيَكَ مِنْ آياتِنَا الْكُبْرى) ، تعليل لمحذوف ، أى : فعلنا ما فعلنا من إعطائك معجزة العصا ومعجزة اليد ، لنريك بهاتين المعجزتين بعض معجزاتنا الكبرى ، الدالة على عظيم قدرتنا ، وانفرادنا بالربوبية والأولوهية.
ثم صرح ـ سبحانه ـ بالمقصود من إعطاء موسى هاتين المعجزتين العظيمتين فقال : (اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى) أى : اذهب يا موسى ومعك هاتان المعجزتان ، فادعه إلى عبادتي وحدي ، ومره فليحسن إلى بنى إسرائيل ولا يعذبهم ، وانهه عن التجبر والظلم ، فإنه قد طغى وبغى وتجاوز حدود الحق والعدل ، وزعم للناس أنه ربهم الأعلى.
وهنا التمس موسى ـ عليهالسلام ـ العون من خالقه ، لكي يتسنى له أداء ما كلفه به فقال : (رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي) أى : أسألك يا إلهى أن توسع صدري بنور الإيمان والنبوة ، وأن تجعله يتقبل تكاليفك بسرور وارتياح.
(وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي) أى : وسهل لي ما أمرتنى به ، فإنك إن لم تحطنى بهذا التيسير ، فلا
__________________
(١) سورة القصص الآية ٣٢.