طاقة لي بحمل أعباء هذه الرسالة.
قال صاحب الكشاف : «لما أمره بالذهاب إلى فرعون الطاغي ـ لعنه الله ـ عرف أنه كلف أمرا عظيما ، وخطبا جسيما يحتاج معه إلى احتمال مالا يحتمله إلا ذو جأش رابط ، وصدر فسيح ، فاستوهب ربه أن يشرح صدره ، ويفسح قلبه ، ويجعله حليما حمولا يستقبل ما عسى يرد عليه من الشدائد التي يذهب معها صبر الصابر .. وأن يسهل عليه في الجملة أمره الذي هو خلافة الله في أرضه ، وما يصحبها من مزاولة معاظم الشئون ، ومقاساة جلائل الخطوب. (١).
وقوله : (وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي* يَفْقَهُوا قَوْلِي) دعاء ثالث تضرع به إلى خالقه ـ تعالى ـ أى : وأسألك يا رب أن تحل عقدة من لساني حتى يفهم الناس قولي لهم ، وحديثي معهم ، فهما يتأتى منه المقصود ، فمن للتبعيض ، أى : واحلل عقده كائنة من عقده.
وقد روى أنه كان بلسانه حبسة ، والأرجح أن هذا هو الذي عناه ، ويؤيده قوله ـ تعالى ـ في آية أخرى : (وَأَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي ، إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ) (٢).
قال ابن كثير : «ذلك لما كان أصابه من اللثغ ، حين عرض عليه ـ فرعون ـ التمرة والجمرة ، فأخذ الجمرة فوضعها على لسانه .. وما سأل أن يزول ذلك بالكلية ، بل حيث يزول العي ، ويحصل لهم فهم ما يريد منه وهو قدر الحاجة ولو سأل الجميع لزال ، ولكن الأنبياء لا يسألون إلا بقدر الحاجة ، ولهذا بقيت بقية.
قال الحسن البصري : سأل موسى ربه أن يحل عقدة واحدة من لسانه ، ولو سأل أكثر من ذلك لأعطى (٣).
وقوله ـ سبحانه ـ : (وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي* هارُونَ أَخِي* اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي* وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي) دعاء آخر تضرع به إلى ربه في أمر خارجى عنه ، بعد أن دعاه في أمر يتعلق بصدره ولسانه.
وقوله : (وَزِيراً) من الموازرة وهي المعاونة. يقال : وازرت فلانا موازرة ، إذا أعنته على أمره. أو من الوزر ـ بفتح الواو والزاى ـ وهو الملجأ الذي يعتصم به الإنسان لينجو من الهلاك.
أى : وأسألك ـ يا إلهى ـ أن تجعل لي «وزيرا» أى : معينا وظهيرا من أهلى في إبلاغ
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٣ ص ٦٠.
(٢) سورة القصص الآية ٣٤.
(٣) راجع تفسير ابن كثير ج ٥ ص ٢٧٦.