(فَأَخْرَجْناهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَكُنُوزٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ) يعني : فرعون ، وقومه ، أخرجهم الله من أرض مصر ، وفيها الجنات ، والعيون ، والكنوز ، وهي : جمع جنة ، وعين ، وكنز ، والمراد بالكنوز : الخزائن ، وقيل : الدفائن ، وقيل : الأنهار ، وفيه نظر لأن العيون المراد بها عند جمهور المفسرين : عيون الماء ، فيدخل تحتها الأنهار.
واختلف في المقام الكريم ؛ فقيل : المنازل الحسان ، وقيل : المنابر ، وقيل : مجالس الرؤساء والأمراء ، وقيل : مرابط الخيل ، والأوّل أظهر ، ومن ذلك قول الشاعر :
وفيهم مقامات حسان وجوههم |
|
وأندية ينتابها القول والفعل |
(كَذلِكَ وَأَوْرَثْناها بَنِي إِسْرائِيلَ) يحتمل أن يكون كذلك في محل نصب ، أي : أخرجناهم مثل ذلك الإخراج الذي وصفنا ، ويحتمل أن يكون في محل جرّ على الوصفية ، أي : مقام كريم مثل ذلك المقام الذي كان لهم ، ويحتمل الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف ، أي : الأمر كذلك ، ومعنى وأورثناها بني إسرائيل : جعلناها ملكا لهم ، وهو معطوف على فأخرجناهم (فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ) قراءة الجمهور : بقطع الهمزة ، وقرأ الحسن ، والحارث الديناري بوصلها ، وتشديد التاء ، أي : فلحقوهم حال كونهم مشرقين ، أي : داخلين في وقت الشروق. يقال شرقت الشمس شروقا. إذا طلعت كأصبح وأمسى ؛ أي : دخل في هذين الوقتين ، وقيل : داخلين نحو المشرق ، كأنجد ، وأتهم ، وقيل : معنى مشرقين : مضيئين. قال الزجاج : يقال شرقت الشمس : إذا طلعت ، وأشرقت : إذا أضاءت (فَلَمَّا تَراءَا الْجَمْعانِ) قرأ الجمهور (تَراءَا) بتخفيف الهمزة ، وقرأ ابن وثاب والأعمش من غير همز ، والمعنى : تقابلا ، بحيث يرى كلّ فريق صاحبه ، وهو تفاعل من الرؤية ، وقرئ (تَراءَتِ الْفِئَتانِ)(قالَ أَصْحابُ مُوسى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ) أي : سيدركنا جمع فرعون ، ولا طاقة لنا بهم. قرأ الجمهور (إِنَّا لَمُدْرَكُونَ) اسم مفعول من أدرك ، ومنه (حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ) (١) وقرأ الأعرج وعبيد بن عمير بفتح الدال مشددة وكسر الراء. قال الفراء : هما بمعنى واحد. قال النحاس : ليس كذلك يقول النحويون الحذاق ، إنما يقولون مدركون بالتخفيف : ملحقون وبالتشديد مجتهدون في لحاقهم. قال : وهذا معنى قول سيبويه. وقال الزمخشري : إن معنى هذه القراءة إنا لمتتابعون في الهلاك على أيديهم حتى لا يبقى منا أحد (قالَ كَلَّا إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ) قال موسى هذه المقالة زجرا لهم وردعا ، والمعنى : أنهم لا يدركونكم ، وذكرهم وعد الله بالهداية والظفر ، والمعنى : إن معي ربي بالنصر والهداية سيهدين ، أي : يدلني على طريق النجاة ، فلما عظم البلاء على بني إسرائيل ، ورأوا من الجيوش مالا طاقة لهم به ، وأمر الله سبحانه موسى أن يضرب البحر بعصاه ، وذلك قوله : (فَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ) لما قال موسى : (إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ) بين الله سبحانه له طريق الهداية ، فأمره بضرب البحر ، وبه نجا بنو إسرائيل ، وهلك عدوّهم ، والفاء في (فَانْفَلَقَ) فصيحة ، أي :
__________________
(١). يونس : ٩٠.