فضرب ، فانفلق ، فصار اثني عشر فلقا ، بعدد الأسباط ، وقام الماء عن يمين الطريق ، وعن يساره كالجبل العظيم ، وهو معنى قوله : (فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ) والفرق : القطعة من البحر ، وقريء فلق بلام بدل الراء ، والطود : الجبل ، قال امرؤ القيس :
فبينا المرء في الأحياء طود |
|
رماه النّاس عن كثب فمالا |
وقال الأسود بن يعفر :
حلّوا بأنقرة يسيل عليهم |
|
ماء الفرات يجيء من أطواد |
(وَأَزْلَفْنا ثَمَّ الْآخَرِينَ) أي : قرّبناهم إلى البحر ، يعني : فرعون وقومه. قال الشاعر :
وكلّ يوم مضى أو ليلة سلفت |
|
فيها النفوس إلى الآجال تزدلف |
قال أبو عبيدة : أزلفنا : جمعنا ، ومنه قيل لليلة المزدلفة : ليلة جمع ، وثم : ظرف مكان للبعيد. وقيل إن المعنى : وأزلفنا : قربنا من النجاة ، والمراد بالآخرين : موسى وأصحابه ، والأوّل أولى ، وقرأ الحسن وأبو حيوة وزلفنا ثلاثيا ، وقرأ أبيّ وابن عباس وعبد الله بن الحارث «وأزلقنا» بالقاف : أي أزللنا وأهلكنا من قولهم : أزلقت الفرس إذا ألقت ولدها (وَأَنْجَيْنا مُوسى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ) بمرورهم في البحر ، بعد أن جعله الله طرقا يمشون فيها (ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ) يعني : فرعون وقومه ، أغرقهم الله باطباق البحر عليهم ، بعد أن دخلوا فيه متبعين موسى وقومه ، والإشارة بقوله : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً) إلى ما تقدّم ذكره مما صدر بين موسى وفرعون إلى هذه الغاية ، ففي ذلك آية عظيمة ، وقدرة باهرة من أدلّ العلامات على قدرة الله سبحانه ، وعظيم سلطانه (وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ) أي : ما كان أكثر هؤلاء الذين مع فرعون مؤمنين ، فإنه لم يؤمن منهم فيما بعد إلا القليل ، كحزقيل وابنته ، وآسية امرأة فرعون ، والعجوز التي دلت على قبر يوسف ، وليس المراد أكثر من كان مع فرعون عند لحاقه بموسى ، فإنهم هلكوا في البحر جميعا ؛ بل المراد من كان معه من الأصل ومن كان متابعا له ومنتسبا إليه ، هذا غاية ما يمكن أن يقال. وقال سيبويه وغيره : إنّ (كانَ) زائدة ، وأن المراد الإخبار عن المشركين بعد ما سمعوا الموعظة (وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) أي : المنتقم من أعدائه الرحيم بأوليائه.
وقد أخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن مسعود في قوله : (إِنَّ هؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ) قال : ستّمائة ألف وسبعون ألفا. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : كانوا ستّمائة ألف. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عنه قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «كان أصحاب موسى الذين جازوا البحر اثني عشر سبطا ، فكان في كلّ طريق إثنا عشر ألفا كلّهم ولد يعقوب» وأخرج ابن مردويه عنه أيضا بسند. قال السيوطي : واه ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «كان فرعون عدوّ الله ، حيث أغرقه الله هو وأصحابه في سبعين قائدا ، مع كلّ قائد سبعون ألفا ، وكان موسى مع سبعين ألفا ، حيث عبروا