كأنّ عينيّ في غربي مقتّلة |
|
من النّواضح تسقي جنّة سحقا |
وسحقا : جمع سحوق ، ولا يوصف به إلا النخل ، وقيل : المراد بالجنات غير النخل من الشجر ، والأوّل : أولى. وحكى الماوردي في معنى هضيم اثني عشر قولا : أحسنها وأوفقها للغة ما ذكرناه (وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً فارِهِينَ) النحت : النّجر والبري ، نحته ينحته بالكسر براه ، والنحاتة : البراية ، وكانوا ينحتون بيوتهم من الجبال ، لما طالت أعمارهم ، وتهدّم بناؤهم من المدر. قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن ذكوان «فرهين» بغير ألف. وقرأ الباقون «فارهين» بالألف. قال أبو عبيدة وغيره : وهما بمعنى واحد. والفره : النشاط ، وفرّق بينهما أبو عبيد وغيره فقالوا : «فارهين» : حاذقين بنحتها ، وقيل : متجبرين ، و «فرهين» : بطرين أشرين ، وبه قال مجاهد وغيره. وقيل : شرهين. وقال الضحاك : كيسين. وقال قتادة : معجبين ناعمين آمنين ، وبه قال الحسن. وقيل : فرحين ، قاله الأخفش. وقال ابن زيد : أقوياء (فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ) أي : المشركين ، وقيل : الذين عقروا الناقة ، ثم وصف هؤلاء المسرفين بقوله : (الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ) أي : ذلك دأبهم يفعلون الفساد في الأرض ولا يصدر منهم الصلاح ألبتة (قالُوا إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ) أي : الذين أصيبوا بالسحر قاله مجاهد وقتادة. وقيل : المسحر هو المعلل بالطعام والشراب قاله الكلبي وغيره ، فيكون المسحر الذي له سحر ، وهو الرئة ، فكأنهم قالوا : إنما أنت بشر مثلنا ، تأكل ، وتشرب. قال الفراء : أي إنك تأكل الطعام والشراب ، وتسحر به ، ومنه قول امرئ القيس أو لبيد (١) :
فإن تسألينا فيم نحن فإنّنا |
|
عصافير من هذا الأنام المسحّر |
وقال امرؤ القيس أيضا :
أرانا موضعين لحتم غيب |
|
ونسحر بالطّعام وبالشّراب |
قال المؤرج : المسحر : المخلوق بلغة ربيعة (ما أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) في قولك ودعواك (قالَ هذِهِ ناقَةٌ) الله (لَها شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ) أي : لها نصيب من الماء ، ولكم نصيب منه معلوم ، ليس لكم أن تشربوا في اليوم الذي هو نصيبها ، ولا هي تشرب في اليوم الذي هو نصيبكم. قال الفراء : الشرب الحظ من الماء. قال النحاس : فأما المصدر ، فيقال فيه شرب شربا ، وأكثرها المضموم ، والشرب : بفتح الشين جمع شارب ، والمراد هنا الشرب بالكسر ، وبه قرأ الجمهور فيهما ، وقرأ ابن أبي عبلة بالضم فيهما (وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ) أي : لا تمسوها بعقر ، أو ضرب ، أو شيء مما يسوؤها ، وجواب النهي : فيأخذكم (فَعَقَرُوها فَأَصْبَحُوا نادِمِينَ) على عقرها ، لما عرفوا أن العذاب نازل بهم ، وذلك أنه أنظرهم ثلاثا ، فظهرت عليهم العلامة في كلّ يوم ، وندموا حيث لا ينفع الندم ، لأن ذلك لا يجدي عند معاينة العذاب ، وظهور آثاره (فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ) الذي وعدهم به. وقد تقدّم تفسير قوله : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) في
__________________
(١). البيت في ديوان لبيد ص (٥٦)