أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ (١٥١) الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ (١٥٢) قالُوا إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (١٥٣) ما أَنْتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنا فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (١٥٤) قالَ هذِهِ ناقَةٌ لَها شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (١٥٥) وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٥٦) فَعَقَرُوها فَأَصْبَحُوا نادِمِينَ (١٥٧) فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (١٥٨) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (١٥٩))
أي : وعظك وعدمه (سَواءٌ) عندنا لا نبالي بشيء منه ، ولا نلتفت إلى ما تقوله. وقد روى العباس عن أبي عمرو ، وروى بشر عن الكسائي «أوعظت» بإدغام الظاء في التاء وهو بعيد ، لأن حرف الظاء حرف إطباق ، إنما يدغم فيما قرب منه جدّا. وروي ذلك عن عاصم والأعمش وابن محيصن. وقرأ الباقون بإظهار الظاء (إِنْ هذا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ) أي : ما هذا الذي جئتنا به ، ودعوتنا إليه من الدين إلا خلق الأوّلين ، أي : عادتهم التي كانوا عليها. وقيل المعنى : ما هذا الذي نحن عليه إلا خلق الأوّلين ، وعادتهم ، وهذا بناء على ما قاله الفراء وغيره : إن معنى خلق الأوّلين. قال النحاس : خلق الأوّلين عند الفراء بمعنى : عادة الأوّلين. وحكى لنا محمد بن الوليد عن محمد بن يزيد قال : (خُلُقُ الْأَوَّلِينَ) مذهبهم وما جرى عليه أمرهم. والقولان متقاربان. قال : وحكى لنا محمد بن يزيد أن معنى : (خُلُقُ الْأَوَّلِينَ) تكذيبهم. قال مقاتل : قالوا ما هذا الذي تدعونا إليه إلا كذب الأوّلين. قال الواحدي : وهو قول ابن مسعود ومجاهد. قال : والخلق والاختلاق الكذب ، ومنه قوله : (وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً) (١) قرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي ويعقوب «خلق الأوّلين» بفتح الخاء وسكون اللام. وقرأ الباقون بضم الخاء واللام. قال الهروي : معناه على القراءة الأولى : اختلاقهم وكذبهم ، وعلى القراءة الثانية : عادتهم ، وهذا التفصيل لا بدّ منه. قال ابن الأعرابي : الخلق : الدين ، والخلق : الطبع ، والخلق : المروءة. وقرأ أبو قلابة بضم الخاء وسكون اللام وهي تخفيف لقراءة الضم لهما ، والظاهر أن المراد بالآية : هو قول من قال : ما هذا الذي نحن عليه إلا عادة الأوّلين وفعلهم ، ويؤيده قولهم : (وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ) أي : على ما نفعل من البطش ونحوه مما نحن عليه الآن (فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْناهُمْ) أي : بالريح كما صرح القرآن في غير هذا الموضع بذلك (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) تقدّم تفسير هذا قريبا في هذه السورة. ثم لما فرغ سبحانه من ذكر قصة هود وقومه ، ذكر قصة صالح وقومه ، وكانوا يسكنون الحجر فقال : (كَذَّبَتْ ثَمُودُ) إلى قوله : (إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ) قد تقدّم تفسيره في قصة هود المذكورة قبل هذه القصة (أَتُتْرَكُونَ فِي ما هاهُنا آمِنِينَ) الاستفهام للإنكار ، أي : أتتركون في هذه النعم التي أعطاكم الله ، آمنين من الموت والعذاب ، باقين في الدنيا. ولما أبهم النعم في هذا فسرها بقوله : (فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُها هَضِيمٌ) والهضيم : النضيج الرخص اللين اللطيف ، والطلع : ما يطلع من الثمر ، وذكر النخل مع دخوله تحت الجنات ، لفضله على سائر الأشجار ، وكثيرا ما يذكرون الشيء الواحد بلفظ يعمه وغيره ، كما يذكرون النعم ، ولا يقصدون إلا الإبل ، وهكذا يذكرون الجنة ، ولا يريدون إلا النخل. قال زهير :
__________________
(١). العنكبوت : ١٧.