في الأعراف (وَتَذَرُونَ ما خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ) أي : وتتركون ما خلقه الله لأجل استمتاعكم به من النساء ، وأراد بالأزواج : جنس الإناث (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عادُونَ) أي : مجاوزون للحدّ في جميع المعاصي ، ومن جملتها هذه المعصية التي ترتكبونها من الذكران (قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا لُوطُ) عن الإنكار علينا ، وتقبيح أمرنا (لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ) من بلدنا المنفيين عنها (قالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ) وهو ما أنتم فيه من إتيان الذكران (مِنَ الْقالِينَ) المبغضين له ، والقلى : البغض ، قليته أقليه قلا وقلاء ، ومنه قول الشاعر :
فلست بمقليّ الخلال ولا قالي (١)
وقال الآخر :
ومالك عندي إن نأيت قلاء (٢)
ثم رغب عليه الصلاة والسلام عن محاورتهم ، وطلب من الله عزوجل أن ينجيه فقال : (رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ) أي من عملهم الخبيث ، أو من عقوبته التي ستصيبهم ، فأجاب الله سبحانه دعاءه ، وقال : (فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ) أي أهل بيته ، ومن تابعه على دينه ، وأجاب دعوته (إِلَّا عَجُوزاً فِي الْغابِرِينَ) هي امرأة لوط ، ومعنى من الغابرين : من الباقين في العذاب. وقال أبو عبيدة : من الباقين في الهرم ، أي : بقيت حتى هرمت. قال النحاس : يقال للذّاهب غابر ، وللباقي غابر. قال الشاعر :
لا تكسع الشّول بأغبارها |
|
إنّك لا تدري من النّاتج |
والأغبار : بقية الألبان ، وتقول العرب : ما مضى وما غبر ، أي : ما مضى وما بقي (ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ) أي : أهلكناهم بالخسف والحصب (وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً) يعني : الحجارة (فَساءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ) المخصوص بالذمّ محذوف ، والتقدير : مطرهم ، وقد تقدّم تفسير (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) في هذه السورة (كَذَّبَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ) قرأ نافع وابن كثير وابن عامر «ليكة» بلام واحدة وفتح التاء جعلوه اسما غير معرّف بأل مضافا إليه أصحاب ، وقرأ الباقون «الأيكة» معرفا ، والأيكة : الشجر الملتف ، وهي الغيضة ، وليكة : اسم للقرية ، وقيل : هما بمعنى واحد اسم للغيضة. قال القرطبي : فأما ما حكاه أبو عبيد من أن ليكة اسم القرية التي كانوا فيها ، وأن الأيكة اسم البلد كله ، فشيء لا يثبت ، ولا يعرف من قاله ، ولو عرف لكان فيه نظر ، لأن أهل العلم جميعا على خلافه. قال أبو عليّ الفارسي : الأيكة تعريف أيكة ، فإذا حذفت الهمزة تخفيفا ألقيت حركتها على اللام. قال الخليل : الأيكة غيضة تنبت السدر والأراك ونحوهما من ناعم الشجر (إِذْ قالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلا تَتَّقُونَ)
__________________
(١). البيت لامرئ القيس ، وصدره :
صرفت الهوى عنهنّ من خشية الرّدى
(٢). البيت للحارث بن حلّزة ، وصدره :
عليك السّلام لا مللت قريبة