بلسان الرسول العربي ، لئلا يقول مشركو العرب لسنا نفهم ما تقوله بغير لساننا ، فقطع بذلك حجتهم وأزاح علتهم ودفع معذرتهم (وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ) أي : هذا القرآن باعتبار أحكامه التي أجمعت عليها الشرائع في كتب الأوّلين من الأنبياء ، والزبر : الكتب ، الواحد : زبور ، وقد تقدم الكلام على تفسير مثل هذا. وقيل : الضمير لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وقيل : المراد بكون القرآن في زبر الأوّلين أنه مذكور فيها هو نفسه ، لا ما اشتمل عليه من الأحكام ، والأوّل : أولى (أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَماءُ بَنِي إِسْرائِيلَ) الهمزة : للإنكار ، والواو : للعطف على مقدّر ، كما تقدّم مرارا ، والآية : العلامة والدلالة ، أي : ألم يكن لهؤلاء علامة دالة على أن القرآن حق ، وأنه تنزيل ربّ العالمين. وأنه في زبر الأوّلين. أن يعلمه علماء بني إسرائيل على العموم ، أو من آمن منهم عبد الله بن سلام ، وإنما صارت شهادة أهل الكتاب حجة على المشركين ، لأنهم كانوا يرجعون إليهم ويصدّقونهم. قرأ ابن عامر «تكن» بالفوقية ، وآية بالرفع على أنها اسم كان ، وخبرها : أن يعلمه إلخ ، ويجوز أن تكون تامة ، وقرأ الباقون «يكن» بالتحتية ، وآية بالنصب على أنها خبر يكن ، واسمها أن يعلمه لهم قال الزجاج : أن يعلمه : اسم يكن ، وآية : خبره. أو لم يكن لهم علم علماء بني إسرائيل ، أن محمدا نبيّ حقّ علامة ودلالة على نبوّته ، لأن العلماء الذين آمنوا من بني إسرائيل ، كانوا يخبرون بوجود ذكره في كتبهم ، وكذا قال الفراء ، ووجهها قراءة الرفع بما ذكرنا. وفي قراءة ابن عامر نظر ، لأن جعل النكرة اسما والمعرفة خبرا غير سائغ ، وإن ورد شاذا في مثل قول الشاعر :
فلا يك موقف منك الوداعا
وقول الآخر :
وكان مزاجها عسل وماء
ولا وجه لما قيل : إن النكرة قد تخصصت بقولهم : «لهم» لأنه في محل نصب على الحال ، والحال صفة في المعنى ؛ فأحسن ما يقال في التوجيه : ما قدّمنا ذكره من أن يكن تامة (وَلَوْ نَزَّلْناهُ عَلى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ) أي : لو نزلنا القرآن على الصفة التي هو عليها ، على رجل من الأعجمين ، الذين لا يقدرون على التكلم بالعربية (فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ) قراءة صحيحة (ما كانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ) مع انضمام إعجاز القراءة من الرجل الأعجمي للكلام العربيّ إلى إعجاز القرآن. وقيل المعنى : ولو نزّلناه على بعض الأعجمين بلغة العجم ، فقرأه عليهم بلغته لم يؤمنوا به ، وقالوا : ما نفقه هذا ولا نفهمه ، ومثل هذا قوله : (وَلَوْ جَعَلْناهُ قُرْآناً أَعْجَمِيًّا لَقالُوا لَوْ لا فُصِّلَتْ آياتُهُ) (١) يقال : رجل أعجم وأعجميّ : إذا كان غير فصيح اللسان ، وإن كان عربيا ، ورجل عجمي : إذا كان أصله من العجم ، وإن كان فصيحا ، إلا أن الفراء أجاز أن يقال : رجل عجميّ : بمعنى أعجميّ وقرأ الحسن «على بعض الأعجميين» وكذلك قرأ الجحدري. قال أبو الفتح بن جني : أصل الأعجمين : الأعجميين ، ثم حذفت ياء النسب ، وجعل جمعه بالياء والنون دليلا عليها (كَذلِكَ سَلَكْناهُ فِي قُلُوبِ
__________________
(١). فصلت : ٤٤.