المشركين : إن النبيّ صلىاللهعليهوسلم شاعر ، بين سبحانه حال الشعراء ومنافاة ما هم عليه لما عليه النبي صلىاللهعليهوسلم فقال : (وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ) والمعنى : أن الشعراء يتبعهم ، أي : يجاريهم ويسلك مسلكهم ويكون من جملتهم الغاوون ، أي : الضالون عن الحق ، والشعراء : جمع شاعر ، والغاوون : جمع غاو ، وهم ضلال الجن والإنس. وقيل : الزائلون عن الحق ، وقيل : الذي يروون الشعر المشتمل على الهجاء وما لا يجوز ، وقيل : المراد شعر الكفار خاصة. قرأ الجمهور «والشعراء» بالرفع على أنه مبتدأ ، وخبره ما بعده ، وقرأ عيسى بن عمر «الشعراء» بالنصب على الاشتغال ، وقرأ نافع وشيبة والحسن والسلمي يتبعهم بالتخفيف ، وقرأ الباقون بالتشديد. ثم بين سبحانه قبائح شعراء الباطل فقال : (أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ) والجملة مقرّرة لما قبلها ، والخطاب لكل من تتأتى منه الرؤية ، يقال : هام يهيم هيما وهيمانا إذا ذهب على وجهه ، أي : ألم تر أنهم في كل فنّ من فنون الكذب يخوضون ، وفي كل شعب من شعاب الزور يتكلمون ، فتارة يمزّقون الأعراض بالهجاء ، وتارة يأتون من المجون بكل ما يمجه السمع ، ويستقبحه العقل ، وتارة يخوضون في بحر السفاهة ، والوقاحة ، ويذمون الحق ، ويمدحون الباطل ، ويرغبون في فعل المحرّمات ، ويدعون الناس إلى فعل المنكرات ، كما تسمعه في أشعارهم من مدح الخمر ، والزنا ، واللواط ، ونحو هذه الرذائل الملعونة ، ثم قال سبحانه : (وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ) أي : يقولون فعلنا وفعلنا ، وهم كذبة في ذلك ، فقد يدلون بكلامهم على الكرم ، والخير ، ولا يفعلونه ، وقد ينسبون إلى أنفسهم من أفعال الشرّ ما لا يقدرون على فعله ، كما تجده في كثير من أشعارهم ، من الدعاوي الكاذبة ، والزور الخالص المتضمن لقذف المحصنات ، وأنهم فعلوا بهنّ كذا وكذا ، وذلك كذب محض ، وافتراء بحت. ثم استثنى سبحانه الشعراء المؤمنين الصالحين ، الذين أغلب أحوالهم تحري الحق ، والصدق فقال : (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) أي : دخلوا في حزب المؤمنين ، وعملوا بأعمالهم الصالحة ، (وَذَكَرُوا اللهَ كَثِيراً) في أشعارهم (وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا) كمن يهجو منهم من هجاه ، أو ينتصر لعالم ، أو فاضل ، كما كان يقع من شعراء النبي صلىاللهعليهوسلم فإنهم كانوا يهجون من يهجوه ، ويحمون عنه ، ويذبون عن عرضه ، ويكافحون شعراء المشركين ، وينافحونهم ، ويدخل في هذا من انتصر بشعره لأهل السنة ، وكافح أهل البدعة ، وزيف ما يقوله شعراؤهم ، من مدح بدعتهم ، وهجو السنة المطهرة ، كما يقع ذلك كثيرا من شعراء الرافضة ، ونحوهم ، فإن الانتصار للحق بالشعر ، وتزييف الباطل به ، من أعظم المجاهدة ، وفاعله من المجاهدين في سبيل الله ، المنتصرين لدينه ، القائمين بما أمر الله بالقيام به.
واعلم أن الشعر في نفسه ينقسم إلى أقسام ، فقد يبلغ ما لا خير فيه منه إلى قسم الحرام. وقد يبلغ ما فيه خير منه إلى قسم الواجب ، وقد وردت أحاديث في ذمه وذمّ الاستكثار منه ، ووردت أحاديث أخر في إباحته وتجويزه ، والكلام في تحقيق ذلك يطول ، وسنذكر في آخر البحث ما ورد في ذلك من الأحاديث.
ثم ختم سبحانه هذه السورة بآية جامعة للوعيد كله فقال : (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) فإن في قوله : (سَيَعْلَمُ) تهويلا عظيما ، وتهديدا شديدا ، وكذا في إطلاق الذين ظلموا ، وإبهام أيّ منقلب ينقلبون ، وخصص هذه الآية بعضهم بالشعراء ، ولا وجه لذلك فإن الاعتبار بعموم اللفظ. وقوله : (أَيَ