يعتمد عليه عند عصيانهم له فقال : (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ) أي : فوّض أمورك إليه ، فإنه القادر على قهر الأعداء ، وهو الرحيم للأولياء. قرأ نافع وابن عامر «فتوكل» بالفاء. وقرأ الباقون «وتوكل» بالواو ، فعلى القراءة الأولى يكون ما بعد الفاء كالجزء مما قبلها مترتبا عليه ، وعلى القراءة الثانية يكون ما بعد الواو معطوفا على ما قبلها ، عطف جملة من غير ترتيب (الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ) أي : حين تقوم إلى الصلاة وحدك في قول أكثر المفسرين. وقال مجاهد : حين تقوم : حيثما كنت (وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ) أي : ويراك إن صليت في الجماعة راكعا وساجدا وقائما ، كذا قال أكثر المفسرين. وقيل : يراك في الموحدين من نبيّ إلى نبيّ حتى أخرجك في هذه الأمة. وقيل : المراد بقوله : «يراك» حين تقوم قيامه إلى التهجد ، وقوله : (وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ) يريد تردّدك في تصفح أحوال المجتهدين في العبادة وتقلب بصرك فيهم ، كذا قال مجاهد (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ) لما تقوله : (الْعَلِيمُ) به. ثم أكد سبحانه معنى قوله : (وَما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطِينُ) وبيّنه فقال : (هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ) أي : على من تتنزّل ، فحذف إحدى التاءين ، وفيه بيان استحالة تنزّل الشياطين على رسول الله صلىاللهعليهوسلم : (تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ) والأفاك : الكثير الإفك ، والأثيم : كثير الإثم ، والمراد بهم كل من كان كاهنا ، فإن الشياطين كانت تسترق السمع ثم يأتون إليهم فيلقونه إليهم ، وهو معنى قوله : (يُلْقُونَ السَّمْعَ) أي : ما يسمعونه مما يسترقونه ، فتكون جملة «يلقون السمع» على هذا راجعة إلى الشياطين في محل نصب على الحال ، أي : حال كون الشياطين ملقين السمع ، أي : ما يسمعونه من الملأ الأعلى إلى الكهان. ويجوز أن يكون المعنى : إن الشياطين يلقون السمع : أي ينصتون إلى الملأ الأعلى ليسترقوا منهم شيئا ، ويكون المراد بالسمع على الوجه الأوّل المسموع ، وعلى الوجه الثاني : نفس حاسة السمع. ويجوز أن تكون جملة «يلقون السمع» راجعة إلى كل أفاك أثيم على أنها صفة أو مستأنفة ، ومعنى الإلقاء أنهم يسمعون ما تلقيه إليهم الشياطين من الكلمات التي تصدق الواحدة منها ، وتكذب المائة الكلمة كما ورد في الحديث ، وجملة (وَأَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ) راجعة إلى كل أفاك أثيم ، أي : وأكثر هؤلاء الكهنة كاذبون فيما يتلقونه من الشياطين ، لأنهم يضمون إلى ما يسمعونه كثيرا من أكاذيبهم المختلفة ، أو أكثرهم كاذبون فيما يلقونه من السمع ، أي : المسموع من الشياطين إلى الناس ، ويجوز أن تكون جملة (وَأَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ) راجعة إلى الشياطين ، أي : وأكثر الشياطين كاذبون فيما يلقونه إلى الكهنة مما يسمعونه ، فإنهم يضمون إلى ذلك من عند أنفسهم كثيرا من الكذب. وقد قيل : كيف يصح على الوجه الأوّل وصف الأفاكين بأن أكثرهم كاذبون بعد ما وصفوا جميعا بالإفك؟ وأجيب بأن المراد بالأفاك الذي يكثر الكذب لا الذي لا ينطق إلا بالكذب ، فالمراد بقوله : وأكثرهم كاذبون أنه قلّ من يصدق منهم فيما يحكي عن الشياطين ، والغرض الذي سيق لأجله هذا الكلام ، ردّ ما كان يزعمه المشركون ، من كون النبي صلىاللهعليهوسلم من جملة من يلقي إليه الشيطان السمع من الكهنة ، ببيان أن الأغلب على الكهنة الكذب ، ولم يظهر من أحوال محمد صلىاللهعليهوسلم إلا الصدق ، فكيف يكون كما زعموا ، ثم إن هؤلاء الكهنة يعظمون الشياطين. وهذا النبيّ المرسل من عند الله برسالته إلى الناس يذمهم ويلعنهم ويأمر بالتعوّذ منهم. ثم لما كان قد قال قائل من