زيدا بكذا (وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَها مُنْذِرُونَ) من : مزيدة للتأكيد ، أي : وما أهلكنا قرية من القرى إلا لها منذرون. وجملة (إِلَّا لَها مُنْذِرُونَ) يجوز أن تكون صفة لقرية ، ويجوز أن تكون حالا منها ، وسوّغ ذلك سبق النفي ، والمعنى : ما أهلكنا قرية من القرى إلا بعد الإنذار إليهم ، والإعذار بإرسال الرسل ، وإنزال الكتب ، وقوله : (ذِكْرى) بمعنى تذكرة ، وهي في محل نصب على العلة ، أو المصدرية. وقال الكسائي : ذكرى في موضع نصب على الحال. وقال الفراء والزجاج : إنها في موضع نصب على المصدرية ، أي : يذكرون ذكرى. قال النحاس : وهذا قول صحيح ، لأن معنى (إِلَّا لَها مُنْذِرُونَ) إلا لها مذكرون. قال الزجاج : ويجوز أن يكون ذكرى في موضع رفع على أنها خبر مبتدأ محذوف ، أي : إنذارنا ذكرى ، أو ذلك ذكرى. قال ابن الأنباري : المعنى هي ذكرى ، أو يذكرهم ذكرى ، وقد رجح الأخفش أنها خبر مبتدأ محذوف (وَما كُنَّا ظالِمِينَ) في تعذيبهم ، فقد قدّمنا الحجة إليهم وأنذرناهم ، وأعذرناهم ، وأعذرنا إليهم (وَما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطِينُ) أي : بالقرآن ، وهذا ردّ لما زعمه الكفرة في القرآن أنه من قبيل ما يلقيه الشياطين على الكهنة (وَما يَنْبَغِي لَهُمْ) ذلك ، ولا يصح منهم (وَما يَسْتَطِيعُونَ) ما نسبه الكفار إليهم أصلا (إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ) للقرآن ، أو لكلام الملائكة (لَمَعْزُولُونَ) محجوبون ، مرجومون بالشهب. وقرأ الحسن وابن السميقع والأعمش «وما تنزلت به الشياطين» بالواو والنون إجراء له مجرى جمع السلامة. قال النحاس : وهذا غلط عند جميع النحويين. قال : وسمعت علي بن سليمان يقول : سمعت محمد بن يزيد يقول : هذا من غلط العلماء ، وإنما يكون بشبهة لما رأى الحسن في آخره ياء ونونا ، وهو في موضع رفع اشتبه عليه بالجمع السالم فغلط. قال الفراء : غلط الشيخ : يعني الحسن ، فقيل : ذلك للنضر بن شميل فقال : إن جاز أن يحتجّ بقول رؤبة والعجاج وذويهما جاز أن يحتج بقول الحسن وصاحبه : يعني محمد بن السميقع مع أنا نعلم أنهما لم يقرءا بذلك إلا وقد سمعا فيه شيئا. وقال المؤرج : إن كان الشيطان من شاط يشيط كان لقراءتهما وجه. قال يونس بن حبيب : سمعت أعرابيا يقول : دخلنا بساتين من ورائها بساتون. ثم لما قرّر سبحانه حقيقة القرآن وأنه منزّل من عنده ، أمر نبيه صلىاللهعليهوسلم بدعاء الله وحده فقال : (فَلا تَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ) وخطاب النبيّ صلىاللهعليهوسلم بهذا مع كونه منزّها عنه ، معصوما منه ، لحث العباد على التوحيد ، ونهيهم عن شوائب الشرك ، وكأنه قال : أنت أكرم الخلق عليّ ، وأعزّهم عندي ، ولو اتخذت معي إلها لعذبتك ، فكيف بغيرك من العباد (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) خص الأقربين لأن الاهتمام بشأنهم أولى ، وهدايتهم إلى الحق أقوم. قيل : هم قريش ، وقيل بنو هاشم. وقد ثبت في الصحيح أن هذه الآية لما نزلت دعا النبي صلىاللهعليهوسلم قريشا ، فاجتمعوا فعمّ وخص ، فذلك منه صلىاللهعليهوسلم بيان للعشيرة الأقربين ، وسيأتي بيان ذلك (وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) يقال : خفض جناحه إذا ألانه ، وفيه استعارة حسنة. والمعنى : ألن جناحك ، وتواضع لمن اتبعك من المؤمنين ، وأظهر لهم المحبة والكرامة ، وتجاوز عنهم (فَإِنْ عَصَوْكَ) أي : خالفوا أمرك ولم يتبعوك (فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ) أي : من عملكم ، أو من الذي تعملونه ، وهذا يدلّ على أن المراد بالمؤمنين المشارفون للإيمان ، المصدّقون باللسان ، لأن المؤمنين الخلص لا يعصونه ولا يخالفونه. ثم بين له ما