حذف الزوائد كقوله : (أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً) (١) (أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ) قرأ ابن كثير وحده بنون التأكيد المشدّدة بعدها نون الوقاية ، وقرأ الباقون بنون مشدّدة فقط ، وهي نون التوكيد ، وقرأ عيسى ابن عمر بنون مشددة مفتوحة غير موصولة بالياء ، والسلطان المبين : هو الحجة البينة في غيبته «فمكث» ابن عمر بنون مشددة مفتوحة غير موصولة بالياء ، والسلطان المبين : هو الحجة البينة في غيبته (فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ) أي : الهدهد مكث زمانا غير بعيد. قرأ الجمهور «مكث» بضم الكاف ، وقرأ عاصم وحده بفتحها ، ومعناه في القراءتين : أقام زمانا غير بعيد. قال سيبويه : مكث يمكث مكوثا كقعد يقعد قعودا. وقيل : إن الضمير في مكث لسليمان. والمعنى : بقي سليمان بعد التفقد والتوعد زمانا غير طويل ، والأوّل أولى (فَقالَ أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ) أي : علمت ما لم تعلمه من الأمر ، والإحاطة : العلم بالشيء من جميع جهاته ، ولعلّ في الكلام حذفا ، والتقدير : فمكث الهدهد غير بعيد ، فجاء فعوتب على مغيبه ، فقال معتذرا عن ذلك (أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ). قال الفراء : ويجوز إدغام التاء في الطاء ، فيقال : حطّ ، وإدغام الطاء في التاء فيقال : أحتّ (وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ) قرأ الجمهور من سبأ بالصرف على أنه اسم رجل ، نسب إليه قوم ، ومنه قول الشاعر :
الواردون وتيم في ذرى سبأ |
|
قد عضّ أعناقهم جلد الجواميس |
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بفتح الهمزة ، وترك الصرف على أنه اسم مدينة ، وأنكر الزجاج أن يكون اسم رجل وقال : سبأ اسم مدينة تعرف بمأرب اليمن ، بينها وبين صنعاء ثلاثة أيام. وقيل : هو اسم امرأة سميت بها المدينة. قال القرطبي : والصحيح أنه اسم رجل ، كما في كتاب الترمذي من حديث فروة بن مسيك المرادي. قال ابن عطية : وخفي هذا على الزجاج فخبط خبط عشواء. وزعم الفراء أن الرؤاسي سأل أبا عمرو بن العلاء عن سبأ فقال : ما أدري ما هو؟ قال النحاس : وأبو عمرو أجلّ من أن يقول هذا ، قال : والقول في سبأ ما جاء التوقيف فيه أنه في الأصل اسم رجل ، فإن صرفته فلأنه قد صار اسما للحيّ ، وإن لم تصرفه جعلته اسما للقبيلة ، مثل ثمود ، إلا أن الاختيار عند سيبويه الصرف ، انتهى.
وأقول : لا شك أن سبأ اسم لمدينة باليمن كانت فيها بلقيس ، وهو أيضا اسم رجل من قحطان! وهو سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان بن هود ، ولكن المراد هنا أن الهدهد جاء إلى سليمان بخبر ما عاينه في مدينة سبأ مما وصفه ، وسيأتي في آخر هذا البحث من المأثور ما يوضح هذا ويؤيده ، ومعنى الآية : أن الهدهد جاء سليمان من هذه المدينة بخبر يقين ، والنبأ : هو الخبر الخطير الشأن ، فلما قال الهدهد لسليمان ما قال ، قال له سليمان : وما ذاك؟ فقال : (إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ) وهي : بلقيس بنت شرحبيل ، وجدها الهدهد تملك أهل سبأ ، والجملة هذه كالبيان والتفسير للجملة التي قبلها ، أي : ذلك النبأ اليقين هو كون هذه المرأة تملك هؤلاء (وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) فيه مبالغة ، والمراد أنها أوتيت من كلّ شيء من الأشياء التي تحتاجها ، وقيل المعنى : أوتيت من كلّ شيء في زمانها شيئا ، فحذف شيئا لأن الكلام قد دلّ عليه (وَلَها
__________________
(١). نوح : ١٧.