قال الزجاج : مبين الحق من الباطل ، والحلال من الحرام ، وهو من أبان بمعنى أظهر (نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) : أي نوحي إليك من خبرهما ملتبسا بالحق ، وخص المؤمنين ، لأن التلاوة إنما ينتفع بها المؤمن. وقيل : إن مفعول نتلو محذوف ، والتقدير : نتلو عليك شيئا من نبئهما ، ويجوز أن تكون من : مزيدة على رأي الأخفش ، أي : نتلو عليك نبأ موسى ، وفرعون ، والأولى : أن تكون للبيان على تقدير المفعول ، كما ذكر ، أو للتبعيض ، ولا ملجئ للحكم بزيادتها ، والحق : الصدق ، وجملة (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ) وما بعدها مستأنفة مسوقة لبيان ما أجمله من النبأ. قال المفسرون : معنى علا تكبر ، وتجبر بسلطانه ، والمراد بالأرض : أرض مصر. وقيل معنى علا : ادعى الربوبية ، وقيل : علا عن عبادة ربه (وَجَعَلَ أَهْلَها شِيَعاً) أي : فرقا وأصنافا في خدمته ، يشايعونه على ما يريد ، ويطيعونه ، وجملة (يَسْتَضْعِفُ طائِفَةً مِنْهُمْ) مستأنفة مسوقة لبيان حال الأهل الذين جعلهم فرقا ، وأصنافا ، ويجوز أن تكون صفة لطائفة ، والطائفة : هم بنو إسرائيل ، وجملة (يُذَبِّحُ أَبْناءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ) بدل من الجملة الأولى ، ويجوز أن تكون مستأنفة للبيان ، أو حالا ، أو صفة كالتي قبلها على تقدير عدم كونها بدلا منها ، وإنما كان فرعون يذبح أبناءهم ، ويترك النساء ، لأن المنجمين في ذلك العصر أخبروه أنه يذهب ملكه على يد مولود من بني إسرائيل. قال الزجاج : والعجب من حمق فرعون ، فإن الكاهن الذي أخبره بذلك ، إن كان صادقا عنده ، فما ينفع القتل ، وإن كان كاذبا ، فلا معنى للقتل (إِنَّهُ كانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) في الأرض بالمعاصي ، والتجبر ، وفيه بيان أن القتل من فعل أهل الإفساد (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ) جاء بصيغة المضارع لحكاية الحالة الماضية. واستحضار صورتها ، أي : نريد أن نتفضل عليهم بعد استضعافهم ، والمراد بهؤلاء بنو إسرائيل ، والواو في «ونريد» للعطف على جملة «إن فرعون علا» وإن كانت الجملة المعطوف عليها اسمية ، لأن بينهما تناسبا من حيث أن كل واحدة منهما للتفسير والبيان. ويجوز أن تكون حالا من فاعل يستضعف ، بتقدير مبتدأ ، أي : ونحن نريد أن نمنّ على الذين استضعفوا في الأرض ، كما في قول الشاعر :
نجوت وأرهنهم مالكا (١)
والأوّل أولى (وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً) أي : قتادة في الخير ودعاة إليه ، وولاة على الناس وملوكا فيهم (وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ) لملك فرعون ، ومساكن القبط ، وأملاكهم ، فيكون ملك فرعون فيهم ، ويسكنون في مساكنه ، ومساكن قومه ، وينتفعون بأملاكه ، وأملاكهم (وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ) أي : نجعلهم مقتدرين عليها ، وعلى أهلها ، مسلطين على ذلك يتصرّفون به كيف شاؤوا. قرأ الجمهور «نمكن» بدون لام. وقرأ الأعمش «لنمكن» بلام العلة (وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما) قرأ الجمهور نري بنون مضمومة وكسر الراء على أن الفاعل هو الله سبحانه. وقرأ الأعمش ويحيى بن وثاب وحمزة والكسائي وخلف «ويرى» بفتح الياء
__________________
(١). البيت لعبد الله بن همام السلولي ، وصدره : فلما خشيت أظافيرهم. [شرح ابن عقيل : الشاهد رقم ١٩٢].