التحتية والراء ، والفاعل فرعون. والقراءة الأولى ألصق بالسياق ، لأن قبلها نريد ، ونجعل ، ونمكن بالنون. وأجاز الفراء «ويري فرعون» بضم الياء التحتية وكسر الراء : أي ويري الله فرعون ، ومعنى (مِنْهُمْ) من أولئك المستضعفين (ما كانُوا يَحْذَرُونَ) الموصول : هو المفعول الثاني ، على القراءة الأولى ، والمفعول الأوّل ، على القراءة الثانية ، والمعنى : أن الله يريهم ، أو يرون هم الذين كانوا يحذرون منه ويجتهدون في دفعه من ذهاب ملكهم وهلاكهم على يد المولود من بني إسرائيل المستضعفين (وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ) أي : ألهمناها ، وقذفنا في قلبها ، وليس ذلك هو الوحي الذي يوحى إلى الرسل ، وقيل : كان ذلك رؤيا في منامها ، وقيل : كان ذلك بملك أرسله الله يعلمها بذلك.
وقد أجمع العلماء على أنها لم تكن نبية ، وإنما كان إرسال الملك إليها عند من قال به على نحو تكليم الملك للأقرع ، والأبرص ، والأعمى ، كما في الحديث الثابت في الصحيحين وغيرهما ، وقد سلمت على عمران بن حصين الملائكة ، كما في الحديث الثابت في الصحيح فلم يكن بذلك نبيا ، وأن في «أن أرضعيه» هي المفسرة ، لأن في الوحي معنى القول ، ويجوز أن تكون مصدرية ، أي : بأن أرضعيه ، وقرأ عمر بن عبد العزيز بكسر نون أن ووصل همزة أرضعيه فالكسر لالتقاء الساكنين ، وحذف همزة الوصل على غير القياس (فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ) من فرعون بأن يبلغ خبره إليه (فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِ) وهو بحر النيل. وقد تقدّم بيان الكيفية التي ألقته في اليمّ عليها في سورة طه (وَلا تَخافِي وَلا تَحْزَنِي) أي : لا تخافي عليه الغرق ، أو الضيعة ، ولا تحزني لفراقه (إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ) عن قريب على وجه تكون به نجاته (وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) الذين نرسلهم إلى العباد ، والفاء في قوله : (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ) هي الفصيحة ، والالتقاط : إصابة الشيء من غير طلب ، والمراد بآل فرعون : هم الذين أخذوا التابوت الذي فيه موسى من البحر ، وفي الكلام حذف ، والتقدير فألقته في اليمّ بعد ما جعلته في التابوت ، فالتقطه من وجده من آل فرعون ، واللام في (لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً) لام العاقبة ، ووجه ذلك أنهم إنما أخذوه ليكون لهم ولدا ، وقرّة عين لا ليكون عدوّا ، فكان عاقبة ذلك إنه كان لهم عدوّا وحزنا ، ولما كانت هذه العداوة نتيجة لفعلهم ، وثمرة له شبهت بالداعي الذي يفعل الفاعل الفعل لأجله ، ومن هذا قول الشاعر :
لدوا للموت وابنوا للخراب (١)
وقول الآخر :
وللمنايا تربّي كلّ مرضعة |
|
ودورنا لخراب الدّهر نبنيها |
قرأ الجمهور وحزنا بفتح الحاء والزاي ، وقرأ الأعمش ويحيى بن وثاب وحمزة والكسائي وخلف ، وحزنا : بضم الحاء ، وسكون الزاي ، واختار القراءة الأولى : أبو عبيدة ، وأبو حاتم ، وهما لغتان كالعدم والعدم ،
__________________
(١). هذا صدر البيت ، وعجزه : فكلكم يضير إلى يباب.