فيها قوم لوط ، وجملة (إِنَّ أَهْلَها كانُوا ظالِمِينَ) تعليل للإهلاك ، أي : إهلاكنا لهم بهذا السبب (قالَ إِنَّ فِيها لُوطاً) أي : قال لهم إبراهيم : إن في هذه القرية التي أنتم مهلكوها لوطا ؛ فكيف تهلكونها؟ (قالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيها) من الأخيار ، والأشرار ، ونحن أعلم من غيرنا بمكان لوط (لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ) من العذاب. قرأ الأعمش ، وحمزة ، ويعقوب ، والكسائي «لننجينه» بالتخفيف ، وقرأ الباقون بالتشديد (إِلَّا امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ) أي : الباقين في العذاب ، وهو لفظ مشترك بين الماضي والباقي ، وقد تقدّم تحقيقه ، وقيل المعنى : من الباقين في القرية التي سينزل بها العذاب ، فتعذب من جملتهم ، ولا تنجو فيمن نجا (وَلَمَّا أَنْ جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ) أي : لما جاءت الرسل لوطا بعد مفارقتهم إبراهيم سيء بهم ، أي : جاءه ما ساءه وخاف منه ، لأنه ظنهم من البشر ، فخاف عليهم من قومه لكونهم في أحسن صورة من الصور البشرية ، و «أن» في أن جاءت زائدة للتأكيد (وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً) أي : عجز عن تدبيرهم ، وحزن ، وضاق صدره ، وضيق الذراع : كناية عن العجز ، كما يقال في الكناية عن الفقر : ضاقت يده ، وقد تقدّم تفسير هذا مستوفى في سورة هود. ولما شاهد الملائكة ما حلّ به من الحزن والتضجر (قالُوا لا تَخَفْ وَلا تَحْزَنْ) أي : لا تخف علينا من قومك ، ولا تحزن ، فإنهم لا يقدرون علينا (إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ) من العذاب الذي أمرنا الله بأن ننزله بهم (إِلَّا امْرَأَتَكَ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ) أخبروا لوطا بما جاءوا به من إهلاك قومه ، وتنجيته ، وأهله إلا امرأته كما أخبروا بذلك إبراهيم ، قرأ حمزة ، والكسائي ، وشعبة ، ويعقوب ، والأعمش «منجوك» بالتخفيف. وقرأ الباقون بالتشديد. قال المبرد : الكاف في منجوك مخفوض ، ولم يجز عطف الظاهر على المضمر المخفوض ، فحمل الثاني على المعنى ، وصار التقدير : وننجي أهلك (إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلى أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزاً مِنَ السَّماءِ) هذه الجملة مستأنفة لبيان هلاكهم المفهوم من تخصيص التنجية به ، وبأهله ، والرجز : العذاب ، أي : عذابا من السماء ، وهو الرمي بالحجارة ، وقيل : إحراقهم بنار نازلة من السماء ، وقيل : هو الخسف ، والحصب كما في غير هذا الموضع ، ومعنى كون الخسف من السماء : أن الأمر به نزل من السماء. قرأ ابن عامر «منزّلون» بالتشديد. وبها قرأ ابن عباس. وقرأ الباقون بالتخفيف ، والباء في (بِما كانُوا يَفْسُقُونَ) للسببية ، أي : لسبب فسقهم (وَلَقَدْ تَرَكْنا مِنْها آيَةً بَيِّنَةً) أي : أبقينا من القرية علامة ، ودلالة بينة ، وهي الآثار التي بها من الحجارة ، رجموا بها ، وخراب الديار. وقال مجاهد : هو الماء الأسود الباقي على وجه أرضهم ، ولا مانع من حمل الآية على جميع ما ذكر ، وخص من يعقل ، لأنه الذي يفهم أن تلك الآثار عبرة يعتبر بها من يراها (وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً) أي : وأرسلنا إليهم ، وقد تقدم ذكره ، وذكر نسبه وذكر قومه في سورة الأعراف وسورة هود : (فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ) أي : أفردوه بالعبادة ، وخصوه بها (وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ) أي : توقعوه وافعلوا اليوم من الأعمال ما يدفع عذابه عنكم. قال يونس النحوي : معناه : اخشوا الآخرة التي فيها الجزاء على الأعمال (وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) العثو والعثي : أشدّ الفساد. وقد تقدّم تفسيره (فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ) أي : الزلزلة ، وتقدّم في سورة هود (وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ) أي : صيحة جبريل ، وهي سبب الرجفة (فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ) أي : أصبحوا في بلدهم