أرض العرب منهم ، قيل : هي أرض الجزيرة ، وقيل : أذرعات ، وقيل : كسكر ، وقيل : الأردن ، وقيل : فلسطين ، وهذه المواضع هي أقرب إلى بلاد العرب من غيرها ، وإنما حملت الأرض على أرض العرب لأنها المعهود في ألسنتهم إذا أطلقوا الأرض أرادوا بها جزيرة العرب ، وقيل إن الألف واللام عوض عن المضاف إليه ، والتقدير : في أدنى أرضهم ، فيعود الضمير إلى الروم ، ويكون المعنى : في أقرب أرض الروم من العرب. قال ابن عطية : إن كانت الوقعة بأذرعات ، فهي من أدنى الأرض بالقياس إلى مكة ، وإن كانت الوقعة بالجزيرة ، فهي أدنى بالقياس إلى أرض كسرى ، وإن كانت بالأردن ، فهي أدنى إلى أرض الروم (وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ) أي : والروم من بعد غلب فارس إياهم سيغلبون أهل فارس ، والتغلب والغلبة لغتان ، والمصدر مضاف إلى المفعول على قراءة الجمهور ، وإلى الفاعل على قراءة غيرهم. قرأ الجمهور «سيغلبون» مبنيا للفاعل وقرأ علي ، وأبو سعيد ، ومعاوية بن قرّة ، وابن عمر ، وأهل الشام على البناء للمفعول ، وسيأتي في آخر البحث ما يقوّي قراءة الجمهور في الموضعين. وقرأ أبو حيوة الشامي وابن السميقع «من بعد غلبهم» بسكون اللام (فِي بِضْعِ سِنِينَ) متعلق بما قبله ، وقد تقدّم تفسير البضع واشتقاقه في سورة يوسف ، والمراد به هنا : ما بين الثلاثة إلى العشرة (لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ) أي : هو المنفرد بالقدرة ، وإنفاذ الأحكام وقت مغلوبيتهم ، ووقت غالبيتهم ، فكلّ ذلك بأمر الله سبحانه وقضائه ، قرأ الجمهور «من قبل ومن بعد» بضمهما لكونهما مقطوعين عن الإضافة ، والتقدير : من قبل الغلب ومن بعده ، أو من قبل كلّ أمر ، ومن بعده. وحكى الكسائي من قبل ومن بعد بكسر الأوّل منوّنا وضم الثاني بلا تنوين. وحكى الفراء من قبل ومن بعد بكسرهما من غير تنوين ، وغلطه النحاس. قال شهاب الدين : قد قرئ بكسرهما منوّنين. قال الزجاج : ومعنى الآية : من متقدّم ومن متأخر (وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللهِ) أي : يوم أن تغلب الروم على فارس في بضع سنين ؛ يفرح المؤمنون بنصر الله للروم لكونهم : أهل كتاب كما أن المسلمين أهل كتاب ، بخلاف فارس ؛ فإنه لا كتاب لهم ، ولهذا سرّ المشركون بنصرهم على الروم ، وقيل : نصر الله هو إظهار صدق المؤمنين ، فيما أخبروا به المشركين من غلبة الروم على فارس ، والأوّل أولى. قال الزجاج : وهذه الآية من الآيات التي تدل على أن القرآن من عند الله لأنه إنباء بما سيكون ، وهذا لا يعلمه إلا الله سبحانه (يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ) أن ينصره (وَهُوَ الْعَزِيزُ) الغالب القاهر (الرَّحِيمُ) الكثير الرحمة لعباده المؤمنين ، وقيل : المراد بالرحمة هنا : الدنيوية ، وهي شاملة للمسلم والكافر (وَعْدَ اللهِ لا يُخْلِفُ اللهُ وَعْدَهُ) أي : وعد الله وعدا لا يخلفه ، وهو ظهور الروم على فارس (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) أنّ الله لا يخلف وعده ، وهم الكفار ، وقيل : كفار مكة على الخصوص (يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا) أي : يعلمون ظاهر ما يشاهدونه من زخارف الدنيا وملاذها ، وأمر معاشهم ، وأسباب تحصيل فوائدهم الدنيوية ، وقيل : هو ما تلقيه الشياطين إليهم من أمور الدنيا عند استراقهم السمع ، وقيل : الظاهر الباطل (وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ) التي هي النعمة الدائمة ، واللذة الخالصة (هُمْ غافِلُونَ) لا يلتفتون إليها ، ولا يعدون لها ما يحتاج إليه ، أو غافلون عن الإيمان بها ، والتصديق بمجيئها (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ ما خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ