يومان يوم مقامات وأندية |
|
ويوم سير إلى الأعداء تأويب (١) |
فإن الشاعر لم يرد يومين مخصوصين ، وإنما أراد أن زمانهم ينقسم شطرين ، فعبر عن كلّ واحد من الشطرين بيوم. قرأ الجمهور «يعرج» على البناء للفاعل. وقرأ ابن أبي عبلة على البناء للمفعول ، والأصل يعرج به ، ثم حذف حرف الجار فاستتر الضمير. وقد استشكل جماعة الجمع بين هذه الآية وبين قوله سبحانه : (تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) (٢) فقيل في الجواب إن يوم القيامة مقداره ألف سنة من أيام الدنيا ، ولكنه باعتبار صعوبته وشدة أهواله على الكفار كخمسين ألف سنة ، والعرب تصف كثيرا يوم المكروه بالطول ، كما تصف يوم السرور بالقصر كما قال الشاعر (٣) :
ويوم كظلّ الرمح قصّر طوله |
|
دم الزّقّ عنّا واصطفاق المزاهر |
وقول الآخر :
ويوم كإبهام القطاة قطعته
وقيل : إن يوم القيامة فيه أيام ؛ فمنها ما مقداره ألف سنة ، ومنها ما مقداره خمسون ألف سنة. وقيل : هي أوقات مختلفة يعذب الكافر بنوع من أنواع العذاب ألف سنة ، ثم ينقل إلى نوع آخر فيعذب به خمسين ألف سنة. وقيل : مواقف القيامة خمسون موقفا كلّ موقف ألف سنة ، فيكون معنى (يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ) أنه يعرج إليه في وقت من تلك الأوقات ، أو موقف من تلك المواقف. وحكى الثعلبي عن مجاهد وقتادة والضحاك أنه أراد سبحانه في قوله : (تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) المسافة من الأرض إلى سدرة المنتهى التي هي مقام جبريل ، والمراد : أنه يسير جبريل ومن معه من الملائكة في ذلك المقام إلى الأرض مسيرة خمسين ألف سنة ، في مقدار يوم واحد من أيام الدنيا ، وأراد بقوله : (فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ) المسافة التي بين الأرض وبين سماء الدنيا هبوطا وصعودا ، فإنها مقدار ألف سنة من أيام الدنيا. وقيل : إن ذلك إشارة إلى امتداد نفاذ الأمر ، وذلك لأن من نفذ أمره غاية النفاذ في يوم أو يومين وانقطع ؛ لا يكون مثل من ينفذ أمره في سنين متطاولة ، فقوله : (فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ) يعني : يدبر الأمر في زمان ، يوم منه : ألف سنة. فكم يكون الشهر منه؟ وكم تكون السنة منه؟ وعلى هذا فلا فرق بين ألف سنة ، وبين خمسين ألف سنة. وقيل : غير ذلك. وقد وقف حبر الأمة ابن عباس لما سئل عن الآيتين ، كما سيأتي في آخر البحث إن شاء الله. قرأ الجمهور (مِمَّا تَعُدُّونَ) بالفوقية على الخطاب ، وقرأ الحسن والسلمي وابن وثاب والأعمش بالتحتية على الغيبة ، والإشارة بقوله : (ذلِكَ) إلى الله سبحانه باعتبار اتصافه بتلك الأوصاف ، وهو مبتدأ وخبره (عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) أي : العالم بما غاب عن الخلق ، وما حضرهم. وفي هذا : معنى التهديد لأنه سبحانه إذا علم
__________________
(١). التأويب : سير النهار كله إلى الليل ، يقال : أوّب القوم تأويبا ، أي ساروا إلى الليل ، والبيت لسلامة بن جندل.
(٢). المعارج : ٤.
(٣). هو شرمة بن الطفيل.