فيتعقل هذا دون هذا ، ويفهم هذا دون هذا. قرأ الجمهور «وبدأ» بالهمز ، والزهري بألف خالصة بدون همز ، وانتصاب (قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ) على أنه صفة مصدر محذوف ، أي : شكرا قليلا ، أو صفة زمان محذوف ، أي : زمانا قليلا. وفي هذا بيان لكفرهم لنعم الله ، وتركهم لشكرها إلا فيما ندر من الأحوال (وَقالُوا أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ) قد تقدم اختلاف القراء في هذه الهمزة ، وفي الهمزة التي بعدها ، والضلال : الغيبوبة ، يقال : ضلّ الميت في التراب إذا غاب وبطل ، والعرب تقول للشيء إذا غلب عليه غيره حتى خفي أثره قد ضلّ. ومنه قول الأخطل :
كنت القذى في موج أكدر مزبد |
|
قذف الأتيّ به فضلّ ضلالا |
قال قطرب : معنى ضللنا في الأرض : غبنا في الأرض. قرأ الجمهور «ضللنا» بفتح ضاد معجمة ، ولام مفتوحة بمعنى : ذهبنا وضعنا ، وصرنا ترابا ، وغبنا عن الأعين ، وقرأ يحيى بن يعمر ، وابن محيصن ، وأبو رجاء «ضللنا» بكسر اللام ، وهي لغة العالية من نجد. قال الجوهري : وأهل العالية يقولون : ضللت بالكسر. قال وأضله : أي أضاعه وأهلكه ، يقال ضلّ الميت إذا دفن. وقرأ عليّ بن أبي طالب ، والحسن والأعمش ، وأبان بن سعيد «صللنا» بصاد مهملة ولام مفتوحة : أي أنتنا. قال النحاس : ولا يعرف في اللغة صللنا ، ولكن يقال : صلّ اللحم : إذا أنتن. قال الجوهري : صلّ اللحم يصلّ بالكسر صلولا : إذا أنتن ، مطبوخا كان أو نيئا ، ومنه قول الحطيئة :
ذاك فتى يبذل ذا قدرة |
|
لا يفسد اللّحم لديه الصّلول |
(أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ) أي : نبعث ، ونصير أحياء ، والاستفهام : للاستنكار. وهذا قول منكري البعث من الكفار ، فأضرب الله سبحانه من بيان كفرهم بإنكار البعث إلى بيان ما هو أبلغ منه ، وهو كفرهم بلقاء الله ، فقال : (بَلْ هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ كافِرُونَ) أي : جاحدون له مكابرة وعنادا ، فإن اعترافهم بأنه المبتدئ للخلق ؛ يستلزم اعترافهم بأنه قادر على الإعادة. ثم أمر سبحانه رسوله صلىاللهعليهوسلم أن يبين لهم الحق ويردّ عليهم ما زعموه من الباطل ، فقال : (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ) يقال : توفاه الله واستوفى روحه : إذا قبضه إليه ، وملك الموت : هو عزرائيل ، ومعنى وكلّ بكم : وكلّ بقبض أرواحكم عند حضور آجالكم (ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ) أي : تصيرون إليه أحياء بالبعث والنشور لا إلى غيره ؛ فيجازيكم بأعمالكم ، إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر.
وقد أخرج ابن جرير ، وابن المنذر عن ابن عباس في قوله : (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ) الآية قال : هذا في الدنيا تعرج الملائكة إليه في يوم مقداره ألف سنة. وأخرج الفريابي ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، والحاكم وصححه عنه في قوله : (فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ) قال : من الأيام الستة التي خلق الله فيها السموات والأرض. وأخرج عبد الرزاق ، وسعيد بن منصور ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن الأنباري في المصاحف والحاكم وصححه عن عبد الله بن أبي مليكة قال : دخلت على عبد الله بن عباس أنا وعبد الله بن فيروز مولى عثمان