من عقد لواء في غير حقّ ، أو عقّ والديه ، أو مشى مع ظالم لينصره فقد أجرم ، يقول الله : (إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ)». قال ابن كثير بعد إخراجه : هذا حديث غريب.
(وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقائِهِ وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ (٢٣) وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا وَكانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ (٢٤) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (٢٥) أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ أَفَلا يَسْمَعُونَ (٢٦) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْماءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلا يُبْصِرُونَ (٢٧) وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٢٨) قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمانُهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (٢٩) فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ (٣٠))
قوله : (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ) أي : التوراة (فَلا تَكُنْ) يا محمّد (فِي مِرْيَةٍ) أي : شك وريبة (مِنْ لِقائِهِ) قال الواحدي : قال المفسرون : وعد رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه سيلقى موسى قبل أن يموت ، ثم لقيه في السماء أو في بيت المقدس حين أسرى به. وهذا قول مجاهد والكلبي والسدّي. وقيل : فلا تكن في شك من لقاء موسى في القيامة وستلقاه فيها. وقيل : فلا تكن في شك من لقاء موسى للكتاب قاله الزجاج. قال الحسن : إن معناه : ولقد آتينا موسى الكتاب فكذّب وأوذي ، فلا تكن في شك من أنه سيلقاك ما لقيه من التكذيب والأذى ، فيكون الضمير في لقائه على هذا عائدا على محذوف ، والمعنى : من لقاء ما لاقى موسى. قال النحاس : وهذا قول غريب. وقيل : في الكلام تقديم وتأخير ، والمعنى : قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكّل بكم ، فلا تكن في مرية من لقائه ، فجاء معترضا بين (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ) وبين (وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ) وقيل : الضمير راجع إلى الكتاب الذي هو الفرقان كقوله : (وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ) (١) والمعنى : أنا آتينا موسى مثل ما آتيناك من الكتاب ، ولقيناه مثل ما لقيناك من الوحي فلا تكن في شك من أنك لقيت مثله ونظيره ، وما أبعد هذا ، ولعلّ الحامل لقائله عليه قوله : (وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ) فإن الضمير راجع إلى الكتاب ، وقيل : إن الضمير في لقائه عائد إلى الرجوع المفهوم من قوله : (ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ) أي : لا تكن في مرية من لقاء الرجوع ، وهذا بعيد أيضا.
واختلف في قوله : (وَجَعَلْناهُ) فقيل : هو راجع إلى الكتاب ، أي : جعلنا التوراة هدى لبني إسرائيل ، قاله الحسن وغيره. وقال قتادة : إنه راجع إلى موسى ، أي : وجعلنا موسى هدى لبني إسرائيل (وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً) أي : قتادة يقتدون به في دينهم ، وقرأ الكوفيون «أئمة» قال النحاس : وهو لحن عند جميع النحويين ، لأنه جمع بين همزتين في كلمة واحدة ، ومعنى (يَهْدُونَ بِأَمْرِنا) أي : يدعونهم إلى الهداية بما يلقونه إليه من أحكام التوراة ومواعظها بأمرنا ، أي : بأمرنا لهم بذلك ، أو لأجل أمرنا. وقال قتادة : المراد
__________________
(١). النمل : ٦.