يدعى ابنا لغير أبيه ، وسيأتي الكلام في الظهار في سورة المجادلة ، والإشارة بقوله : (ذلِكُمْ) إلى ما تقدّم من ذكر الظهار والادعاء ، وهو : مبتدأ ، وخبره : (قَوْلُكُمْ بِأَفْواهِكُمْ) أي : ليس ذلك إلا مجرد قول بالأفواه ، ولا تأثير له ، فلا تصير المرأة به أما ، ولا ابن الغير به ؛ ابنا ، ولا يترتب على ذلك شيء من أحكام الأمومة والبنوّة. وقيل : الإشارة راجعة إلى الادّعاء ، أي : ادّعاؤكم أن أبناء الغير أبناؤكم : لا حقيقة له ، بل هو مجرّد قول بالفم (وَاللهُ يَقُولُ الْحَقَ) الذي يحقّ اتباعه لكونه حقا في نفسه لا باطلا ، فيدخل تحته دعاء الأبناء لآبائهم (وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ) أي : يدلّ على الطريق الموصلة إلى الحق ، وفي هذا إرشاد للعباد إلى قول الحق ، وترك قول الباطل والزور. ثم صرّح سبحانه بما يجب على العباد من دعاء الأبناء للآباء فقال : (ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ) للصلب ، وانسبوهم إليهم ، ولا تدعوهم إلى غيرهم ، وجملة (هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ) : تعليل للأمر بدعاء الأبناء للآباء ، والضمير راجع إلى مصدر ادعوهم ، ومعنى أقسط : أي : أعدل كلّ كلام يتعلق بذلك ، فترك الإضافة للعموم كقوله الله أكبر ، وقد يكون المضاف إليه مقدّرا خاصا ، أي : أعدل من قولكم : هو ابن فلان ، ولم يكن ابنه لصلبه. ثم تمم سبحانه الإرشاد للعباد فقال : (فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوالِيكُمْ) أي : فهم إخوانكم في الدين ، وهم مواليكم ، فقولوا : أخي ومولاي ، ولا تقولوا ابن فلان ، حيث لم تعلموا آباءهم على الحقيقة. قال الزجاج : ويجوز أن يكون مواليكم : أولياءكم في الدين. وقيل المعنى : فإن كانوا محررين ولم يكونوا أحرارا ، فقولوا موالي فلان (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ) أي : لا إثم عليكم فيما وقع منكم من ذلك خطأ من غير عمد ، (وَلكِنْ) الإثم في (ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) وهو ما قلتموه على طريقة العمد من نسبة الأبناء إلى غير آبائهم مع علمكم بذلك. قال قتادة : لو دعوت رجلا لغير أبيه ، وأنت ترى أنه أبوه لم يكن عليك بأس (وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) يغفر للمخطئ ويرحمه ويتجاوز عنه ، أو غفورا للذنوب رحيما بالعباد ، ومن جملة من يغفر له ويرحمه من دعا رجلا لغير أبيه خطأ. أو قبل النهي عن ذلك. ثم ذكر سبحانه لرسوله مزية عظيمة ، وخصوصية جليلة لا يشاركه فيها أحد من العباد فقال : (النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) أي : هو أحقّ بهم في كلّ أمور الدين والدنيا ، وأولى بهم من أنفسهم فضلا عن أن يكون أولى بهم من غيرهم ، فيجب عليهم أن يؤثروه بما أراده من أموالهم ، وإن كانوا محتاجين إليها ، ويجب عليهم أن يحبوه زيادة على حبهم أنفسهم ، ويجب عليهم أن يقدّموا حكمه عليهم ؛ على حكمهم لأنفسهم. وبالجملة فإذا دعاهم النبيّ صلىاللهعليهوسلم لشيء ، ودعتهم أنفسهم إلى غيره ، وجب عليهم أن يقدّموا ما دعاهم إليه ، ويؤخروا ما دعتهم أنفسهم إليه ، ويجب عليهم أن يطيعوه فوق طاعتهم لأنفسهم ، ويقدّموا طاعته على ما تميل إليه أنفسهم ، وتطلبه خواطرهم. وقيل : المراد بأنفسهم في الآية : بعضهم ، فيكون المعنى : أن النبيّ أولى بالمؤمنين من بعضهم ببعض. وقيل : هي خاصة بالقضاء ، أي : هو أولى بهم من أنفسهم فيما قضى به بينهم. وقيل أولى بهم في الجهاد بين يديه ، وبذل النفس دونه ، والأوّل أولى (وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ) أي : مثل أمهاتهم في الحكم بالتحريم ، ومنزلات منزلتهنّ في استحقاق التعظيم ، فلا يحلّ لأحد أن يتزوج بواحدة منهنّ ، كما لا يحلّ له أن يتزوج بأمه ، فهذه الأمومة مختصة بتحريم