فلانا بلسانه : إذا أغلظ له في القول مجاهرا. قال الفراء : أي آذوكم بالكلام في الأمن بألسنة سليطة ذربة ، ويقال : خطيب مسلاق ومصلاق إذا كان بليغا ، ومنه قول الأعشى :
فيهم المجد والسّماحة والنّجدة |
|
فيهم والخاطب السّلاق |
قال القتبي : المعنى آذوكم بالكلام الشديد ، والسلق : الأذى ، ومنه قول الشاعر :
ولقد سلقنا هوازنا |
|
بنواهل حتّى انحنينا |
قال قتادة : معنى الآية : بسطوا ألسنتهم فيكم في وقت قسمة الغنيمة ، يقولون : أعطنا فإنا قد شهدنا معكم ، فعند الغنيمة أشحّ قوم وأبسطهم لسانا ، ووقت البأس أجبن قوم وأخوفهم. قال النحاس : وهذا قول حسن ، وانتصاب : (أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ) على الحالية من فاعل سلقوكم ، ويجوز أن يكون نصبه على الذمّ. وقرأ ابن أبي عبلة برفع أشحة ، والمراد هنا : أنهم أشحة على الغنيمة ، يشاحون المسلمين عند القسمة ، قال يحيى بن سلام. وقيل : على المال أن ينفقوه في سبيل الله. قاله السدّي. ويمكن أن يقال معناه : أنهم قليلو الخير من غير تقييد بنوع من أنواعه ، والإشارة بقوله : (أُولئِكَ) إلى الموصوفين بتلك الصفات (لَمْ يُؤْمِنُوا) إيمانا خالصا بل هم منافقون ، يظهرون الإيمان ، ويبطنون الكفر (فَأَحْبَطَ اللهُ أَعْمالَهُمْ) أي : أبطلها ، بمعنى : أظهر بطلانها ، لأنها لم تكن لهم أعمال تقتضي الثواب حتى يبطلها الله. قال مقاتل : أبطل جهادهم لأنه لم يكن في إيمان (وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً) أي : وكان ذلك الإحباط لأعمالهم ، أو كان نفاقهم على الله هينا (يَحْسَبُونَ الْأَحْزابَ لَمْ يَذْهَبُوا) أي : يحسب هؤلاء المنافقون لجبنهم أن الأحزاب باقون في معسكرهم لم يذهبوا إلى ديارهم ، وذلك لما نزل بهم من الفشل والروع (وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ) مرة أخرى بعد هذه المرة (يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِي الْأَعْرابِ) أي : يتمنون أنهم في بادية الأعراب لما حلّ بهم من الرهبة ، والبادي خلاف الحاضر ، يقال : بدا يبدو بداوة : إذا خرج إلى البادية (يَسْئَلُونَ عَنْ أَنْبائِكُمْ) أي : عن أخباركم ، وما جرى لكم ، كل قادم عليهم من جهتكم ، أو يسأل بعضهم بعضا عن الأخبار التي بلغته من أخبار الأحزاب ، ورسول الله صلىاللهعليهوسلم. والمعنى : أنهم يتمنون أنهم بعيد عنكم يسألون عن أخباركم من غير مشاهدة للقتال لفرط جبنهم وضعف نياتهم (وَلَوْ كانُوا فِيكُمْ ما قاتَلُوا إِلَّا قَلِيلاً) أي : لو كانوا معكم في هذه الغزوة مشاهدين للقتال ما قاتلوا معكم إلا قتالا قليلا ؛ خوفا من العار وحمية على الديار (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) أي : قدوة صالحة ، يقال لي في فلان أسوة : أي لي به ، والأسوة من الائتساء ، كالقدوة من الاقتداء : اسم يوضع موضع المصدر. قال الجوهري : والأسوة والإسوة بالضم والكسر ، والجمع : أسى وإسى. قرأ الجمهور «أسوة» بالضم للهمزة ، وقرأ عاصم بكسرها ، وهما لغتان كما قال الفراء وغيره.
وفي هذه الآية عتاب للمتخلفين عن القتال مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، أي : لقد كان لكم في رسول الله حيث بذل نفسه للقتال ؛ وخرج إلى الخندق لنصرة دين الله ، أسوة ، وهذه الآية وإن كان سببها خاصا فهي عامة