في كلّ شيء ، ومثلها : (وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) (١) ، وقوله : (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ) (٢) ، واللام في (لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ) : متعلق بحسنة ، أو : بمحذوف هو صفة لحسنة ، أي : كائنة لمن يرجو الله. وقيل : إن الجملة بدل من الكاف في لكم ، وردّه أبو حيان وقال : إنه لا يبدل من ضمير المخاطب بإعادة الجار. ويجاب عنه : بأنه قد أجاز ذلك الكوفيون والأخفش وإن منعه البصريون ، والمراد بمن كان يرجو الله : المؤمنون ، فإنهم الذين يرجون الله ويخافون عذابه ، ومعنى يرجون الله : يرجون ثوابه أو لقاءه ، ومعنى يرجون اليوم الآخر : أنهم يرجون رحمة الله فيه ، أو يصدقون بحصوله ، وأنه كائن لا محالة ، وهذه الجملة تخصيص بعد التعميم بالجملة الأولى (وَذَكَرَ اللهَ كَثِيراً) معطوف على كان ، أي : ولمن ذكر الله في جميع أحواله ذكرا كثيرا ، وجمع بين الرجاء لله والذكر له ، فإن بذلك تتحقق الأسوة الحسنة برسول الله صلىاللهعليهوسلم. ثم بين سبحانه ما وقع من المؤمنين المخلصين عند رؤيتهم للأحزاب ، ومشاهدتهم لتلك الجيوش التي أحاطت بهم كالبحر العباب فقال : (وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ قالُوا هذا ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ) الإشارة بقوله «هذا» إلى ما رأوه من الجيوش ، أو إلى الخطب الذي نزل ، والبلاء الذي دهم ، وهذا القول منهم قالوه استبشارا بحصول ما وعدهم الله ورسوله من مجيء هذه الجنود ، وإنه يتعقب مجيئهم إليهم نزول النصر ، والظفر من عند الله ، و «ما» في «ما وعدنا الله» هي الموصولة ، أو المصدرية ، ثم أردفوا ما قالوه بقولهم : (وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ) أي : ظهر صدق خبر الله ورسوله (وَما زادَهُمْ إِلَّا إِيماناً وَتَسْلِيماً) أي : ما زادهم ما رأوه إلا إيمانا بالله وتسليما لأمره. قال الفراء : ما زادهم النظر إلى الأحزاب إلا إيمانا وتسليما. قال عليّ بن سليمان : «رأى» يدل على الرؤية ، وتأنيث الرؤية غير حقيقي ، والمعنى : ما زادهم الرؤية إلا إيمانا للرب ، وتسليما للقضاء ، ولو قال ما زادتهم لجاز (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ) أي : من المؤمنين المخلصين رجال صدقوا : أتوا بالصدق ، من صدقني إذا قال الصدق ، ومحل «ما عاهدوا الله عليه» : النصب بنزع الخافض ، والمعنى : أنهم وفوا بما عاهدوا عليه رسول الله صلىاللهعليهوسلم ليلة العقبة من الثبات معه ، والمقاتلة لمن قاتله ، بخلاف من كذب في عهده ، وخان الله ورسوله ، وهم المنافقون ، وقيل : هم الذين نذروا أنهم إذا لقوا حربا مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم ثبتوا له ، ولم يفروا ، ووجه إظهار الاسم الشريف ، والرسول في قوله : (صَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ) بعد قوله : (ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ) هو قصد التعظيم كما في قول الشاعر :
أرى الموت لا يسبق الموت شيء
وأيضا لو أضمرهما لجمع بين ضمير الله ، وضمير رسوله في لفظ واحد. وقال صدقا ، وقد ورد النهي عن جمعهما كما في حديث «بئس خطيب القوم أنت» لمن قال ومن يعصهما فقد غوى. ثم فصل سبحانه حال الصادقين بما وعدوا الله ورسوله ، وقسمهم إلى قسمين فقال : (فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ)
__________________
(١). الحشر : ٧.
(٢). آل عمران : ٣١.