النحب : ما التزمه الإنسان ، واعتقد الوفاء به ، ومنه قول الشاعر :
عشية فرّ الحارثيون بعد ما |
|
قضى نحبه في ملتقى القوم هوبر |
وقال الآخر :
بطخفة جالدنا الملوك وخيلنا |
|
عشيّة بسطام جرين على نحب |
أي : على أمر عظيم ، والنحب : يطلق على النذر ، والقتل ، والموت. قال ابن قتيبة : قضى نحبه : أي :
قتل ، وأصل النحب : النذر. كانوا يوم بدر نذروا إن لقوا العدو أن يقاتلوا حتى يقتلوا ، أو يفتح الله لهم فقتلوا ، فقيل فلان قضى نحبه : أي قتل ، والنحب أيضا : الحاجة وإدراك الأمنية ، يقول قائلهم : مالي عندهم نحب ، والنحب : العهد ، ومنه قول الشاعر :
لقد نحبت كلب على الناس إنّهم |
|
أحقّ بتاج الماجد المتكرّم |
وقال الآخر :
قد نحب المجد علينا نحبا (١)
ومن ورود النحب في الحاجة وإدراك الأمنية قول الشاعر :
أنحب فيقضى أم ضلال وباطل (٢)
ومعنى الآية : أن من المؤمنين رجالا أدركوا أمنيتهم ، وقضوا حاجتهم ، ووفوا بنذرهم ، فقاتلوا حتى قتلوا ، وذلك يوم أحد كحمزة ، ومصعب بن عمير ، وأنس بن النضر (وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ) قضاء نحبه حتى يحضر أجله كعثمان بن عفان ، وطلحة والزبير وأمثالهم ، فإنهم مستمرّون على الوفاء بما عاهدوا الله عليه من الثبات مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم والقتال لعدوّه ، ومنتظرون لقضاء حاجتهم وحصول أمنيتهم بالقتل وإدراك فضل الشهادة ، وجملة (وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً) معطوفة على صدقوا ، أي : ما غيروا عهدهم الذي عاهدوا الله ورسوله عليه كما غير المنافقون عهدهم ، بل ثبتوا عليه ثبوتا مستمرا ، أما الذين قضوا نحبهم فظاهر ، وأما الذين ينتظرون قضاء نحبهم فقد استمروا على ذلك حتى فارقوا الدنيا ، ولم يغيروا ولا بدّلوا ، واللام في قوله : (لِيَجْزِيَ اللهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ) يجوز أن يتعلق بصدقوا أو بزادهم ، أو بما بدلوا ، أو بمحذوف ، كأنه قيل : وقع جميع ما وقع ليجزي الله الصادقين بصدقهم (وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ إِنْ شاءَ) بما صدر عنهم من التغيير والتبديل ، جعل المنافقين كأنهم قصدوا عاقبة السوء ، وأرادوها بسبب تبديلهم ، وتغييرهم كما قصد الصادقون عاقبة الصدق بوفائهم ، فكل من الفريقين مسوق إلى عاقبته من الثواب والعقاب ، فكأنهما استويا في طلبها ، والسعي لتحصيلها ، ومفعول «إن شاء» وجوابها محذوفان ، أي : إن شاء تعذيبهم عذبهم ، وذلك إذا أقاموا على
__________________
(١). وقبله : يا عمرو يا ابن الأكرمين نسبا.
(٢). هذا عجز بيت للبيد ، وصدره : ألا تسألان المرء ماذا يحاول.