النفاق ، ولم يتركوه ويتوبوا عنه (إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً) أي : لمن تاب منهم ، وأقلع عما كان عليه من النفاق. ثم رجع سبحانه إلى حكاية بقية القصة وما امتنّ به على رسوله والمؤمنين من النعمة فقال : (وَرَدَّ اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا) وهم الأحزاب ، والجملة معطوفة على (فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً) أو على المقدّر عاملا في ليجزي الله الصادقين بصدقهم ، كأن قيل : وقع ما وقع من الحوادث وردّ الله الذين كفروا ، ومحل (بِغَيْظِهِمْ) النصب على الحال ، والباء للمصاحبة ، أي : حال كونهم متلبسين بغيظهم ومصاحبين له ، ويجوز أن تكون للسببية ، وجملة : (لَمْ يَنالُوا خَيْراً) في محل نصب على الحال أيضا من الموصول ، أو من الحال الأولى على التعاقب ، أو التدخل. والمعنى : أن الله ردّهم بغيظهم لم يشف صدورهم ولا نالوا خيرا في اعتقادهم ، وهو الظفر بالمسلمين ، أو لم ينالوا خيرا أيّ خير ، بل رجعوا خاسرين لم يربحوا إلا عناء السفر ، وغرم النفقة (وَكَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ) بما أرسله من الريح ، والجنود من الملائكة (وَكانَ اللهُ قَوِيًّا عَزِيزاً) على كلّ ما يريده إذا قال له كن كان ، عزيزا غالبا قاهرا لا يغالبه أحد من خلقه ، ولا يعارضه معارض في سلطانه وجبروته.
وقد أخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم في قوله : (سَلَقُوكُمْ) قال : استقبلوكم. وأخرج ابن أبي حاتم عنه (وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً) قال : هينا. وأخرج ابن مردويه ، والخطيب ، وابن عساكر ، وابن النجار عن عمر في قوله : (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) قال : في جوع رسول الله ، وقد استدلّ بهذه الآية جماعة من الصحابة في مسائل كثيرة اشتملت عليها كتب السنة ، وهي خارجة عما نحن بصدده. وأخرج ابن جرير ، وابن مردويه ، والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس في قوله : (وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ) إلى آخر الآية قال : إن الله قال لهم في سورة البقرة (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ) (١) فلما مسهم البلاء حيث رابطوا الأحزاب في الخندق (قالُوا هذا ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ) فتأوّل المسلمون ذلك فلم يزدهم (إِلَّا إِيماناً وَتَسْلِيماً). وأخرج البخاري وغيره عن أنس قال : نرى هذه الآية نزلت في أنس بن النضر (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ) وأخرج ابن سعد ، وأحمد ، ومسلم ، والترمذي ، والنسائي ، والبغوي في معجمه ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، وأبو نعيم ، والبيهقي عن أنس قال : غاب عمي أنس بن النضر عن بدر فشق عليه : وقال أوّل مشهد شهده رسول الله صلىاللهعليهوسلم غبت عنه لئن أراني الله مشهدا مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم فيما بعد ليرينّ الله ما أصنع ، فشهد يوم أحد ، فاستقبله سعد بن معاذ فقال : يا أبا عمرو إلى أين؟ قال : واها لريح الجنة أجدها دون أحد ، فقاتل حتى قتل ، فوجد في جسده بضع وثمانون ما بين ضربة وطعنة ورمية ، ونزلت هذه الآية (رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ) وكانوا يرون أنها نزلت فيه وفي أصحابه ، وقد روي عنه نحوه من طريق أخرى عند الترمذي وصححه ، والنسائي ، وغيرهما. وأخرج الحاكم وصححه ، والبيهقي في الدلائل عن أبي هريرة : «أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم حين انصرف من أحد مرّ على مصعب بن عمير وهو مقتول ،
__________________
(١). البقرة : ٢١٤.