الحائك التي يسوّي بها السداة واللحمة : صيصية ، ومنه قول دريد بن الصمة :
فجئت إليه والرّماح تنوشه |
|
كوقع الصّياصي في النّسيج الممدّد |
ومن إطلاقها على الحصون قول الشاعر :
فأصبحت الثيران صرعى وأصبحت |
|
نساء تميم يبتدرن الصّياصيا |
(وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ) أي : الخوف الشديد حتى سلموا أنفسهم للقتل ، وأولادهم ونساءهم للسبي ، وهي معنى قوله : (فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً) فالفريق الأوّل هم الرجال ، والفريق الثاني : هم النساء والذرية ، وهذه الجملة مبينة ومقرّرة لقذف الرعب في قلوبهم. قرأ الجمهور «تقتلون» بالفوقية على الخطاب ، وكذلك قرءوا «تأسرون» وقرأ ابن ذكوان في رواية عنه بالتحتية فيهما ، وقرأ اليماني بالفوقية في الأوّل ، والتحتية في الثاني ، وقرأ أبو حيوة «تأسرون» بضم السين. وقد حكى الفراء كسر السين وضمها فهما لغتان ، ووجه تقديم مفعول الفعل الأوّل وتأخير مفعول الفعل الثاني أن الرجال لما كانوا أهل الشوكة ، وكان الوارد عليهم أشدّ الأمرين وهو القتل ، كان الاهتمام بتقديم ذكرهم أنسب بالمقام.
وقد اختلف في عدد المقتولين والمأسورين ، فقيل : كان المقتولون من ستّمائة إلى سبعمائة ، وقيل : ستّمائة ، وقيل : سبعمائة ، وقيل : ثمانمائة ، وقيل : تسعمائة ، وكان المأسورون سبعمائة ، وقيل : سبعمائة وخمسين ، وقيل : تسعمائة (وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيارَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ) المراد بالأرض : العقار والنخيل ، وبالديار : المنازل والحصون ، وبالأموال : الحلّي ، والأثاث ، والمواشي ، والسلاح ، والدراهم ، والدنانير (وَأَرْضاً لَمْ تَطَؤُها) أي : وأورثكم أرضا لم تطئوها ، وجملة لم تطئوها : صفة لأرضا. قرأ الجمهور «لم تطئوها» بهمزة مضمومة ثم واو ساكنة ، وقرأ زيد بن علي «تطوها» بفتح الطاء وواو ساكنة.
واختلف المفسرون في تعيين هذه الأرض المذكورة ، فقال يزيد بن رومان ، وابن زيد ، ومقاتل : إنها خيبر ولم يكونوا إذ ذاك قد نالوها ، فوعدهم الله بها. وقال قتادة : كنا نتحدّث أنها مكة. وقال الحسن : فارس والروم. وقال عكرمة : كل أرض تفتح إلى يوم القيامة (وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً) أي : هو سبحانه قدير على كلّ ما أراده من خير وشرّ ونعمة ونقمة ، وعلى إنجاز ما وعد به من الفتح للمسلمين.
وقد أخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله : (مِنْ صَياصِيهِمْ) قال : حصونهم. وأخرج ابن أبي شيبة ، وأحمد ، وابن مردويه عن عائشة قالت : خرجت يوم الخندق أقفو النّاس ، فإذا أنا بسعد بن معاذ ورماه رجل من قريش يقال له ابن الفرقدة بسهم فأصاب أكحله فقطعه ، فدعا الله سعد فقال : اللهم لا تمتني حتّى تقرّ عيني من قريظة ، فبعث الله الريح على المشركين (وَكَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ) ولحق أبو سفيان ومن معه بتهامة ، ولحق عيينة بن بدر ومن معه بنجد ، ورجعت بنو قريظة فتحصّنوا في صياصيهم ، ورجع رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى المدينة وأمر بقبّة من أدم ، فضربت على سعد في المسجد ، قالت : فجاء جبريل ، وإن على ثناياه لوقع الغبار ، فقال : أو قد وضعت السّلاح؟ لا والله ما وضعت الملائكة بعد السّلاح :