المؤمنين على الهداية ، ودوامهم عليها لأنهم كانوا وقت الخطاب على الهداية. ثم أخبر سبحانه برحمته للمؤمنين تأنيسا لهم ، وتثبيتا فقال : (وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً) وفي هذه الجملة تقرير لمضمون ما تقدّمها ، ثم بين سبحانه أن هذه الرحمة منه لا تخص السامعين وقت الخطاب ؛ بل هي عامة لهم ، ولمن بعدهم ، وفي الدار الآخرة فقال : (تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ) أي : تحية المؤمنين من الله سبحانه يوم لقائهم له عند الموت ، أو عند البعث ، أو عند دخول الجنة هي التسليم عليهم منه عزوجل. وقيل : المراد تحية بعضهم لبعض يوم يلقون ربهم سلام ، وذلك لأنه كان بالمؤمنين رحيما ، فلما شملتهم رحمته ، وأمنوا من عقابه حيا بعضهم بعضا سرورا واستبشارا. والمعنى : سلامة لنا من عذاب النار. قال الزجاج : المعنى : فيسلمهم الله من الآفات ، ويبشرهم بالأمن من المخافات يوم يلقونه. وقيل : الضمير في «يلقونه» : راجع إلى ملك الموت ، وهو الذي يحييهم ، كما ورد أنه لا يقبض روح مؤمن إلا سلم عليه. وقال مقاتل : هو تسليم الملائكة عليهم يوم يلقون الربّ كما في قوله : (وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ) (١) (وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً) أي : أعدّ لهم في الجنة رزقا حسنا ما تشتهيه أنفسهم وتلذه أعينهم. ثم ذكر سبحانه صفات رسول الله صلىاللهعليهوسلم التي أرسله لها فقال : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً) أي : على أمته يشهد لمن صدقه ، وآمن به ، وعلى من كذبه وكفر به ، قال مجاهد : شاهدا على أمته بالتبليغ إليهم ، وعلى سائر الأمم بتبليغ أنبيائهم إليهم (وَمُبَشِّراً) للمؤمنين برحمة الله ، وبما أعدّه لهم من جزيل الثواب ، وعظيم الأجر (وَنَذِيراً) للكافرين والعصاة بالنار ، وبما أعدّه الله لهم من عظيم العقاب (وَداعِياً إِلَى اللهِ) يدعو عباد الله إلى التوحيد ، والإيمان بما جاء به ، والعمل بما شرعه لهم ، ومعنى (بِإِذْنِهِ) بأمره له بذلك وتقديره ، وقيل : بتبشيره (وَسِراجاً مُنِيراً) أي : يستضاء به في ظلم الضلالة ، كما يستضاء بالمصباح في الظلمة. قال الزجاج : (وَسِراجاً) أي : ذا سراج منير ، أي : كتاب نير ، وانتصاب شاهدا وما بعده : على الحال (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) عطف على مقدّر يقتضيه المقام ، كأنه قال فاشهد وبشر ، أو فدبر أحوال الناس (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) أو هو من عطف جملة على جملة ، وهي المذكورة سابقا ، ولا يمنع من ذلك الاختلاف بين الجملتين بالإخبار والإنشاء. أمره سبحانه بأن يبشرهم بأن لهم من الله فضلا كبيرا على سائر الأمم ، وقد بين ذلك سبحانه بقوله : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ) (٢) ثم نهاه سبحانه عن طاعة أعداء الدين فقال : (وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ) أي : لا تطعهم فيما يشيرون عليك به من المداهنة في الدين ، وفي الآية تعريض لغيره من أمته لأنه صلىاللهعليهوسلم معصوم عن طاعتهم في شيء مما يريدونه ، ويشيرون به عليه ، وقد تقدّم تفسير هذه الآية في أوّل السورة (وَدَعْ أَذاهُمْ) أي : لا تبال بما يصدر منهم إليك من الأذى بسبب يصيبك في دين الله وشدّتك على أعدائه ، أو دع أن تؤذيهم مجازاة لهم على ما يفعلونه من الأذى لك ، فالمصدر على الأوّل : مضاف إلى الفاعل. وعلى الثاني : مضاف إلى المفعول ،
__________________
(١). الرعد : ٢٣ و ٢٤.
(٢). الشورى : ٢٢.