وهي منسوخة بآية السيف : (وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) في كلّ شؤونك (وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً) توكل إليه الأمور وتفوّض إليه الشؤون ، فمن فوّض إليه أموره كفاه ، ومن وكلّ إليه أحواله لم يحتج فيها إلى سواه.
وقد أخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : (اذْكُرُوا اللهَ ذِكْراً كَثِيراً) يقول : لا يفرض على عباده فريضة إلا جعل لها أجلا معلوما ، ثم عذر أهلها في حال العذر ؛ غير الذكر ، فإن الله لم يجعل له حدا ينتهي إليه ولم يعذر أحدا في تركه إلا مغلوبا على عقله ، فقال : اذكروا الله قياما وقعودا ، وعلى جنوبكم بالليل والنهار ، في البرّ والبحر ، في السفر والحضر ، في الغنى والفقر ، في الصحة والسقم ، في السرّ والعلانية وعلى كلّ حال ، وقال : (وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) إذا فعلتم ذلك صلى عليكم هو وملائكته قال الله : (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ).
وقد ورد في فضل الذكر والاستكثار منه أحاديث كثيرة ، وقد صنف في الأذكار المتعلقة بالليل والنهار جماعة من الأئمة : كالنسائي ، والنووي ، والجزري ، وغيرهم ، وقد نطقت الآيات القرآنية بفضل الذاكرين وفضيلة الذكر (وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ) (١) وقد ورد أنه أفضل من الجهاد كما في حديث أبي سعيد الخدري عند أحمد ، والترمذي ، والبيهقي «أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم سئل : أي : العباد أفضل درجة عند الله يوم القيامة؟ قال : الذاكرون الله كثيرا ، قلت : يا رسول الله ومن الغازي في سبيل الله؟ قال : لو ضرب بسيفه في الكفار والمشركين حتى ينكسر ويختضب دما لكان الذاكرون أفضل منه درجة» وأخرج أحمد عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من إعطاء الذهب والورق ، وخير لكم من أن تلقوا أعداءكم ، فتضربوا أعناقهم ، ويضربوا أعناقكم؟ قالوا : وما هو يا رسول الله؟ قال : ذكر الله عزوجل». وأخرجه أيضا الترمذي ، وابن ماجة. وفي صحيح مسلم وغيره من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «سبق المفرّدون ، قالوا : وما المفرّدون يا رسول الله؟ قال : الذاكرون الله كثيرا» وأخرج أحمد ، وأبو يعلى ، وابن حبان ، والحاكم ، وصححه ، والبيهقي عن أبي سعيد أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «أكثروا ذكر الله حتى يقولوا مجنون». وأخرج الطبراني عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «اذكروا الله حتى يقول المنافقون إنكم مراؤون».
وورد في فضل التسبيح بخصوصه أحاديث ثابتة في الصحيحين وغيرهما ، فمن ذلك حديث أبي هريرة قال : «من قال في يوم مائة مرّة سبحان الله وبحمده حطت خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر». وأخرج أحمد ومسلم والترمذي وغيرهم عن سعد بن أبي وقاص قال : «كنا مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال لنا : أيعجز أحدكم أن يكتسب في اليوم ألف حسنة؟ فقال رجل : كيف يكتسب أحدنا ألف حسنة؟ قال : يسبح الله مائة تسبيحة فيكتب له ألف حسنة ويحطّ عنه ألف خطيئة». وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف ، وعبد ابن حميد ، وابن أبي الدنيا في ذكر الموت ، وأبو يعلى ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والحاكم وصححه ، وابن مردويه في الشعب عن البراء بن عازب في قوله : (تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ) قال : يوم
__________________
(١). العنكبوت : ٢٩.