السراح الجميل هنا كناية عن الطلاق ، وهو بعيد لأنه قد تقدم ذكر الطلاق ، ورتب عليه التمتيع ، وعطف عليه السراح الجميل ، فلا بدّ أن يراد به معنى غير الطلاق (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَ) ذكر سبحانه في هذه الآية أنواع الأنكحة التي أحلها لرسوله ، وبدأ بأزواجه اللاتي قد أعطاهنّ أجورهنّ : أي مهورهنّ ، فإن المهور : أجور الأبضاع ، وإيتاؤها : إما تسليمها معجلة ، أو تسميتها في العقد.
واختلف في معنى قوله : (أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ) فقال ابن زيد والضحاك : إن الله أحلّ له أن يتزوّج كل امرأة يؤتيها مهرها ، فتكون الآية مبيحة لجميع النساء ما عدا ذوات المحارم. وقال الجمهور : المراد أحللنا لك أزواجك : الكائنات عندك ، لأنهنّ قد اخترنك على الدنيا وزينتها ، وهذا هو الظاهر ، لأنه قوله أحللنا ، وآتيت : ماضيان ، وتقييد الإحلال بإيتاء الأجور ليس لتوقف الحلّ عليه ، لأنه يصح العقد بلا تسمية ، ويجب مهر المثل مع الوطء ، والمتعة مع عدمه ، فكأنه لقصد الإرشاد إلى ما هو أفضل (وَما مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفاءَ اللهُ عَلَيْكَ) أي : السراري اللاتي دخلن في ملكه بالغنيمة ، ومعنى (مِمَّا أَفاءَ اللهُ عَلَيْكَ) مما ردّه الله عليك من الكفار بالغنيمة لنسائهم المأخوذات على وجه القهر والغلبة ، وليس المراد بهذا القيد إخراج ما ملكه بغير الغنيمة ، فإنها تحلّ له السرية المشتراة والموهوبة ونحوهما ، ولكنه إشارة إلى ما هو أفضل كالقيد الأوّل المصرّح بإيتاء الأجور ، وهكذا قيد المهاجرة في قوله : (وَبَناتِ عَمِّكَ وَبَناتِ عَمَّاتِكَ وَبَناتِ خالِكَ وَبَناتِ خالاتِكَ اللَّاتِي هاجَرْنَ مَعَكَ) فإنه للإشارة إلى ما هو أفضل ، وللإيذان بشرف الهجرة ، وشرف من هاجر ، والمراد هنا الاشتراك في الهجرة لا في الصحبة فيها. وقيل إن هذا القيد : أعني المهاجرة معتبر وأنها لا تحلّ له من لم تهاجر من هؤلاء كما في قوله : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا) (١) ويؤيد هذا حديث أمّ هانئ ، وسيأتي آخر البحث هذا إن شاء الله تعالى ووجه إفراد العم ، والخال وجمع العمة ، والخالة ما ذكره القرطبي أن العم والخال في الإطلاق اسم جنس كالشاعر والراجز ، وليس كذلك العمة والخالة. قال : وهذا عرف لغوي ، فجاء الكلام عليه بغاية البيان. وحكاه عن ابن العربي ، وقال ابن كثير : إنه وحد لفظ الذكر لشرفه ، وجمع الأنثى كقوله : (عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ) (٢) وقوله : (يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) (٣) (وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ) (٤) وله نظائر كثيرة. انتهى. وقال النيسابوري. وإنما لم يجمع العم والخال اكتفاء بجنسيتهما مع أن لجمع البنات دلالة على ذلك لامتناع اجتماع أختين تحت واحد ، ولم يحسن هذا الاختصار في العمة والخالة لإمكان سبق الوهم إلى أن التاء فيهما للوحدة انتهى. وكلّ وجه من هذه الوجوه يحتمل المناقشة بالنقض والمعارضة ، وأحسنها تعليل جمع العمة والخالة بسبق الوهم إلى أن التاء للوحدة ، وليس في العم والخال ما يسبق الوهم إليه بأنه أريد به الوحدة ؛ إلا مجرّد صيغة الإفراد وهي لا تقتضي ذلك بعد إضافتها لما تقرّر من عموم أسماء الأجناس المضافة ، على أن هذا الوجه الأحسن لا يصفو عن شوب المناقشة (وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِ) هو معطوف على مفعول أحللنا ، أي : وأحللنا لك امرأة مصدقة بالتوحيد إن وهبت نفسها لك بغير صداق. وأما من لم تكن مؤمنة فلا تحل لك بمجرّد هبتها نفسها لك ، ولكن ليس بواجب
__________________
(١). الأنفال : ٧٢.
(٢). النحل : ٤٨.
(٣). البقرة : ٢٥٧.
(٤). الأنعام : ١.