لملابسته له من حيث أنه طريق إليه ، ونظيره تسميته الخمر إثما لأنها سبب في اقتراف الإثم. ومعنى : (مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَ) من قبل أن تجامعوهنّ ، فكنى عن ذلك بلفظ المسّ (فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها) وهذا مجمع عليه كما حكى ذلك القرطبي وابن كثير ، ومعنى تعتدّونها : تستوفون عددها ، من عددت الدراهم فأنا أعتدّها. وإسناد ذلك إلى الرجال للدلالة على أن العدّة حق لهم كما يفيده (فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ) قرأ الجمهور «تعتدّونها» بتشديد الدال ، وقرأ ابن كثير في رواية عنه وأهل مكة بتخفيفها. وفي هذه القراءة وجهان : أحدهما أن تكون بمعنى الأولى ، مأخوذة من الاعتداد : أي تستوفون عددها ، ولكنهم تركوا التضعيف لقصد التخفيف. قال الرازي : ولو كان من الاعتداء الذي هو الظلم لضعف ، الاعتداء يتعدّى بعلى. وقيل : يجوز أن يكون من الاعتداء بحذف حرف الجرّ ، أي : تعتدّون عليها ، أي : على العدّة مجازا ومثله قوله :
تحنّ فتبدي ما بها من صبابة |
|
وأخفي الذي لو لا الأسى لقضاني |
أي : لقضى عليّ. والوجه الثاني : أن يكون المعنى : تعتدون فيها ، والمراد بالاعتداء هذا. هو ما في قوله : (وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا) (١) فيكون معنى الآية على القراءة الآخرة : فما لكم عليهنّ من عدّة تعتدون عليهنّ فيها بالمضارة. وقد أنكر ابن عطية صحة هذه القراءة عن ابن كثير وقال : إن البزّي غلط عليه ، وهذه الآية مخصصة لعموم قوله تعالى : (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) (٢) وبقوله : (وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ) (٣) والمتعة المذكورة هنا قد تقدّم الكلام فيها في البقرة. وقال سعيد بن جبير ، هذه المتعة المذكورة هنا منسوخة بالآية التي في البقرة وهي قوله : (وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ) (٤) وقيل : المتعة هنا هي أعمّ من أن تكون نصف الصداق ، أو المتعة خاصة إن لم يكن قد سمى لها ، فمع التسمية للصداق تستحق نصف المسمى عملا بقوله : (فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ) لهنّ ، ومع عدم التسمية تستحق المتعة عملا بهذه الآية ، ويؤيد ذلك قوله تعالى : (لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ) (٥) وهذا الجمع لا بدّ منه ، وهو مقدّم على الترجيح وعلى دعوى النسخ ، وتخصص من هذه الآية المتوفى عنها زوجها ، فإنه إذا مات بعد العقد عليها ، وقبل الدخول بها كان الموت كالدخول فتعتد أربعة أشهر وعشرا. قال ابن كثير : بالإجماع ، فيكون المخصص : هو الإجماع ، وقد استدلّ بهذه الآية القائلون بأنه لا طلاق قبل النكاح ، وهم الجمهور ، وذهب مالك : وأبو حنيفة إلى صحة الطلاق قبل النكاح إذا قال : إن تزوّجت فلانة فهي طالق ، فتطلق إذا تزوّجها. ووجه الاستدلال بالآية لما قاله الجمهور أنه قال : (إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَ) فعقب الطلاق بالنكاح بلفظ ثم المشعرة بالترتيب والمهلة (وَسَرِّحُوهُنَّ سَراحاً جَمِيلاً) أي : أخرجوهنّ من منازلكم : إذ ليس لكم عليهنّ عدّة ، والسراح الجميل : الذي لا ضرار فيه ، وقيل : السراح ، وقيل : السراح الجميل : أن لا يطالبها بما كان قد أعطاها ، وقيل :
__________________
(١). البقرة : ٢٣١.
(٢). البقرة : ٢٢٨.
(٣). الطلاق : ٤.
(٤). البقرة : ٢٣٧.
(٥). البقرة : ٢٣٦.