المفسرين في معنى الآية. وهو الذي دلت عليه الأدلة الثابتة في الصحيح وغيره. وقيل : هذه الآية في الواهبات أنفسهنّ ، لا في غيرهنّ من الزوجات. قاله الشعبي وغيره. وقيل : معنى الآية في الطلاق : أي : تطلق من تشاء منهنّ وتمسك من تشاء. وقال الحسن : إن المعنى : تنكح من شئت من نساء أمتك ، وتترك نكاح من شئت منهنّ. وقد قيل : إن هذه ناسخة لقوله : (لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ) وسيأتي بيان ذلك (وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُناحَ عَلَيْكَ) الابتغاء : الطلب ، والعزل : الإزالة ، والمعنى : أنه إن أراد أن يؤوي إليه امرأة ممن قد عزلهنّ من القسمة ويضمها إليه فلا حرج عليه في ذلك. والحاصل أن الله سبحانه فوّض الأمر إلى رسوله يصنع في زوجاته ما شاء من تقديم وتأخير ، وعزل وإمساك ، وضمّ من أرجأ ، وإرجاء من ضمّ إليه ، وما شاء في أمرهنّ فعل توسعة عليه ونفيا للحرج عنه. وأصل الجناح : الميل ، يقال جنحت السفينة : إذا مالت. والمعنى : لا ميل عليك بلوم ولا عتب فيما فعلت ، والإشارة بقوله : (ذلِكَ) إلى ما تقدّم من التفويض إلى مشيئته ، وهو : مبتدأ ، وخبره : (أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَ) أي : ذلك التفويض الذي فوّضناك أقرب إلى رضاهنّ لأنه حكم الله سبحانه. قال قتادة : أي ذلك التخيير الذي خيرناك في صحبتهنّ أدنى إلى رضاهنّ إذ كان من عندنا ، لأنهنّ إذا علمن أنه من الله قرّت أعينهنّ. قرأ الجمهور (تَقَرَّ) على البناء للفاعل مسندا إلى أعينهنّ ، وقرأ ابن محيصن «تقر» بضم التاء من أقرر ضمير المخاطب ونصب أعينهنّ على المفعولية ، وقرئ على البناء للمفعول. وقد تقدّم بيان معنى قرّة العين في سورة مريم ، (وَ) معنى (لا يَحْزَنَ) لا يحصل معهنّ حزن بتأثيرك بعضهنّ دون بعض (وَيَرْضَيْنَ بِما آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَ) أي : يرضين جميعا بما أعطيتهنّ من تقريب وإرجاء ، وعزل وإيواء. قرأ الجمهور «كلهنّ» بالرفع تأكيدا لفاعل يرضين. وقرأ أبو إياس بالنصب تأكيدا لضمير المفعول في آتيتهنّ (وَاللهُ يَعْلَمُ ما فِي قُلُوبِكُمْ) من كلّ ما تضمرونه ، ومن ذلك ما تضمرونه من أمور النساء (وَكانَ اللهُ عَلِيماً) بكل شيء لا تخفى عليه خافية (حليما) لا يعاجل العصاة بالعقوبة (لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ) قرأ الجمهور «لا يحلّ» بالتحتية للفصل بين الفعل وفاعله المؤنث ، وقرأ ابن كثير بالفوقية.
وقد اختلف أهل العلم في تفسير هذه الآية على أقوال : الأوّل أنها محكمة ، وأنه حرّم على رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن يتزوّج على نسائه ، مكافأة لهنّ بما فعلن من اختيار الله ورسوله ، والدار الآخرة لما خيرهنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم بأمر الله له بذلك ، وهذا قول ابن عباس ، ومجاهد ، والضحاك ، وقتادة ، والحسن ، وابن سيرين ، وأبي بكر ابن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، وابن زيد وابن جرير. وقال أبو أمامة بن سهل بن حنيف : لما حرّم الله عليهنّ أن يتزوجن من بعده حرّم عليه أن يتزوّج غيرهن. وقال أبيّ بن كعب وعكرمة وأبو رزين : إن المعنى : لا يحل لك النساء من بعد الأصناف التي سماها الله. قال القرطبي : وهو اختيار ابن جرير. وقيل : لا يحلّ لك اليهوديات ولا النصرانيات لأنهنّ لا يصح أن يتصفن بأنهنّ أمهات المؤمنين. وهذا القول فيه بعد لأنه يكن التقدير : لا يحلّ لك النساء من بعد المسلمات. ولم يجر للمسلمات ذكر. وقيل : هذه الآية منسوخة بالسنة وبقوله سبحانه : (تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ) وبهذا قالت عائشة ، وأم سلمة ،