وعليّ بن أبي طالب ، وعلي بن الحسين وغيرهم ، وهذا هو الراجح ، وسيأتي في آخر البحث ما يدل عليه من الأدلة (وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ) أي : تتبدل فحذفت إحدى التاءين ، أي : ليس لك أن تطلق واحدة منهنّ أو أكثر وتتزوّج بدل من طلقت منهنّ ، و «من» في قوله : (مِنْ أَزْواجٍ) مزيدة للتأكيد. وقال ابن زيد : هذا شيء كانت العرب تفعله يقول : خذ زوجتي ، وأعطني زوجتك ، وقد أنكر النحاس ، وابن جرير ما ذكره ابن زيد. قال ابن جرير : ما فعلت العرب هذا قط. ويدفع هذا الإنكار منهما ما أخرجه الدارقطني عن أبي هريرة قال : كان البدل في الجاهلية أن يقول الرجل للرجل : تنزل لي عن امرأتك وأنزل لك عن امرأتي ، فأنزل الله عزوجل (وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَ) وأخرجه أيضا عنه البزار وابن مردويه ، وجملة : (وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَ) في محل نصب على الحال من فاعل تبدّل ، والمعنى : أنه لا يحل التبدّل بأزواجك ، ولو أعجبك حسن غيرهنّ ممن أردت أن تجعلها بدلا من إحداهنّ ، وهذا التبدّل أيضا من جملة ما نسخه الله في حق رسوله على القول الراجح ، وقوله : (إِلَّا ما مَلَكَتْ يَمِينُكَ) استثناء من النساء لأنه يتناول الحرائر والإماء.
وقد اختلف العلماء في تحليل الأمة الكافرة. القول الأوّل : أنه تحلّ للنبيّ صلىاللهعليهوسلم لعموم هذه الآية ، وبه قال مجاهد ، وسعيد بن جبير ، وعطاء ، والحكم. القول الثاني : أنها لا تحلّ له تنزيها لقدره عن مباشرة الكافرة. ويترجح القول الأوّل بعموم هذه الآية ، وتعليل المنع بالتنزّه ضعيف فلا تنزّه عما أحله الله سبحانه ، فإن ما أحله فهو طيب ، لا خبيث باعتبار ما يتعلق بأمور النكاح ، لا باعتبار غير ذلك ، فالمشركون نجس بنص القرآن. ويمكن ترجيح القول الثاني بقوله سبحانه : (وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ) (١) فإنه نهي عام (وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً) أي : مراقبا حافظا مهيمنا ، لا يخفى عليه شيء ، ولا يفوته شيء.
وقد أخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : (إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ) قال : هذا في الرجل يتزوّج المرأة ، ثم يطلقها من قبل أن يمسها ، فإذا طلقها واحدة بانت منه ، ولا عدّة عليها تتزوّج من شاءت ، ثم قال : (فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَراحاً جَمِيلاً) يقول : إن كان سمى لها صداقا فليس لها إلا النصف ، وإن لم يكن سمى لها صداقا متعها على قدر عسره ويسره ، وهو السراح الجميل. وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر قال : (إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَ) منسوخة نسختها التي في البقرة (فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ). وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير عن سعيد بن المسيب نحوه. وأخرج عبد بن حميد عن الحسن وأبي العالية قالا : ليست بمنسوخة ، لها نصف الصداق ولها المتاع. وأخرج عبد الرزاق عن ابن جريج قال : بلغ ابن عباس أن ابن مسعود يقول : إن طلق ما لم ينكح فهو جائز ، فقال ابن عباس أخطأ في هذا ، إن الله يقول : (إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَ) ولم يقل : إذا طلقتم المؤمنات ثم نكحتموهنّ. وأخرج ابن أبي حاتم ، والحاكم وصححه عن ابن عباس أنه تلا هذه الآية وقال : لا يكون طلاق حتى يكون نكاح. وقد وردت أحاديث منها أنه «لا طلاق إلّا بعد نكاح» وهي
__________________
(١). الممتحنة : ١٠.