كل ما يتمتع به ، فلا وجه لما قيل من أن المراد به : العارية ، أو الفتوى ، أو المصحف ، والإشارة بقوله : (ذلِكُمْ) إلى سؤال المتاع من وراء حجاب ، وقيل : الإشارة إلى جميع ما ذكر من عدم الدخول بغير إذن ، وعدم الاستئناس للحديث عند الدخول وسؤال المتاع ، والأوّل أولى ، واسم الإشارة : مبتدأ ، وخبره : (أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَ) أي : أكثر تطهيرا لها من الريبة ، وخواطر السوء التي تعرض للرجال في أمر النساء ، وللنساء في أمر الرجال. وفي هذا أدب لكل مؤمن ، وتحذيرا له من أن يثق بنفسه في الخلوة مع من لا تحلّ له ، والمكالمة من دون حجاب لمن تحرم عليه (وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ) أي : ما صح لكم ولا استقام أن تؤذوه بشيء من الأشياء كائنا ما كان ، ومن جملة ذلك دخول بيوته بغير إذن منه ، واللبث فيها على غير الوجه الذي يريده ، وتكليم نسائه من دون حجاب (وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ) أي : ولا كان لكم ذلك بعد وفاته لأنهنّ أمهات المؤمنين ، ولا يحلّ للأولاد نكاح الأمهات ، والإشارة بقوله : (إِنَّ ذلِكُمْ) إلى نكاح أزواجه من بعده (كانَ عِنْدَ اللهِ عَظِيماً) أي : ذنبا عظيما ، وخطبا هائلا شديدا. وكان سبب نزول الآية أنه قال قائل : لو قد مات محمّد لتزوّجنا نساءه ، وسيأتي بيان ذلك (إِنْ تُبْدُوا شَيْئاً أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) يعلم كلّ شيء من الأشياء ، ومن جملة ذلك ما تظهرونه من شأن أزواج رسوله ، وما تكتمونه في صدوركم. وفي هذا وعيد شديد ، لأن إحاطته بالمعلومات تستلزم المجازاة على خيرها وشرّها. ثم بين سبحانه من لا يلزم الحجاب منه فقال : (لا جُناحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبائِهِنَّ وَلا أَبْنائِهِنَّ وَلا إِخْوانِهِنَّ وَلا أَبْناءِ إِخْوانِهِنَّ وَلا أَبْناءِ أَخَواتِهِنَ) فهؤلاء لا يجب على نساء رسول الله صلىاللهعليهوسلم ولا غيرهنّ من النساء الاحتجاب منهم ، ولم يذكر العمّ والخال لأنهما يجريان مجرى الوالدين. وقال الزجاج : العمّ والخال ربما يصفان المرأة لولديهما ، فإن المرأة تحلّ لابن العم وابن الخال فكره لهما الرؤية ، وهذا ضعيف جدّا ، فإن تجويز وصف المرأة لمن تحل له ممكن من غيرهما ممن يجوز له النظر إليها ، لا سيما أبناء الإخوة وأبناء الأخوات ، واللازم باطل فالملزوم مثله ، وهكذا يستلزم أن لا يجوز للنساء الأجنبيات أن ينظرن إليها لأنهنّ يصفنها ، واللازم باطل فالملزوم مثله ، وهكذا لا وجه لما قاله الشعبي وعكرمة من أنه للمرأة أن تضع خمارها عند عمها أو خالها ، والأولى أن يقال أنه سبحانه اقتصر هاهنا على بعض ما ذكره من المحارم في سورة النور اكتفاء بما تقدّم (وَلا نِسائِهِنَ) هذه الإضافة تقتضي أن يكون المراد بالنساء المؤمنات ، لأن الكافرات غير مأمونات على العورات ، والنساء كلهنّ عورة (وَلا ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَ) من العبيد والإماء ، وقيل : الإماء خاصة ، ومن لم يبلغ من العبيد ، والخلاف في ذلك معروف. وقد تقدّم في سورة النور ما فيه كفاية. ثم أمرهنّ سبحانه بالتقوى التي هي ملاك الأمر كله ، (وَ) المعنى (اتَّقِينَ) الله في كلّ الأمور التي من جملتها ما هو مذكور هنا (إِنَّ اللهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً) لم يغب عنه شيء من الأشياء كائنا ما كان ، فهو مجاز للمحسن بإحسانه وللمسيء بإساءته.
وقد أخرج البخاري ، ومسلم عن أنس قال : قال عمر بن الخطاب : يا رسول الله إن نساءك يدخل عليهنّ البرّ والفاجر فلو حجبتهنّ ، فأنزل الله آية الحجاب. وفي لفظ أنه قال عمر : يا رسول الله يدخل