فقالت : إن أسماء متزوّجة عليا ، فقال لها النبيّ صلىاللهعليهوسلم : ما كان لها أن تؤذي الله ورسوله. وأخرج ابن سعد عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف في قوله : (إِنْ تُبْدُوا شَيْئاً أَوْ تُخْفُوهُ) قال : إن تكلموا به فتقولون نتزوّج فلانة لبعض أزواج النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، أو تخفوا ذلك في أنفسكم فلا تنطقوا به ؛ يعلمه الله. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله : (لا جُناحَ عَلَيْهِنَ) إلى آخر الآية قال : أنزلت هذه في نساء النبيّ صلىاللهعليهوسلم خاصة ، وقوله : (نِسائِهِنَ) يعني نساء المسلمات (ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَ) من المماليك والإماء ورخص لهنّ أن يروهنّ بعد ما ضرب الحجاب عليهنّ.
(إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً (٥٦) إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً (٥٧) وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً (٥٨))
قرأ الجمهور : (وَمَلائِكَتَهُ) بنصب الملائكة عطفا على لفظ اسم إن. وقرأ ابن عباس : «وملائكته» بالرفع عطفا على محل اسم إنّ ، والضمير في قوله : (يُصَلُّونَ) راجع إلى الله ، وإلى الملائكة ، وفيه تشريف للملائكة عظيم حيث جعل الضمير لهم ولله سبحانه واحدا ، فلا يرد الاعتراض بما ثبت عنه صلىاللهعليهوسلم لما سمع قول الخطيب يقول : من يطع الله ورسوله فقد رشد ، ومن يعصهما فقد غوى ، فقال : بئس خطيب القوم أنت ، قل ومن يعص الله ورسوله ، ووجه ذلك أنه ليس لأحد أن يجمع ذكر الله سبحانه مع غيره في ضمير واحد ، وهذا الحديث ثابت في الصحيح. وثبت أيضا في الصحيح أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أمر مناديا ينادي يوم خيبر : إنّ الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر الأهليّة. ولأهل العلم أبحاث في الجمع بين الحديثين ليس هذا موضع ذكرها ، والآية مؤيدة للجواز لجعل الضمير فيها لله ولملائكته واحدا ، والتعليل بالتشريف للملائكة يقال مثله في رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ويحمل الذمّ لذلك الخطيب الجامع بينهما على أنه صلىاللهعليهوسلم فهم منه إرادة التسوية بينهما بين الله سبحانه وبين رسوله ، فيختص المنع بمثل ذلك ، وهذا أحسن ما قيل في الجمع. وقالت طائفة : في هذه حذف ، والتقدير : إن الله يصلي وملائكته يصلون. وعلى هذا القول فلا تكون الآية مما جمع فيه بين ذكر الله وذكر غيره في ضمير واحد ، ولا يرد أيضا ما قيل : إن الصلاة من الله الرحمة ومن ملائكته الدعاء فكيف يجمع بين هذين المعنيين المختلفين في لفظ يصلون ، ويقال على القول الأوّل أنه أريد بيصلون معنى مجازي يعمّ المعنيين ، وذلك بأن يراد بقوله يصلون يهتمون بإظهار شرفه ، أو يعظمون شأنه ، أو يعتنون بأمره. وحكى البخاري عن أبي العالية أن صلاة الله سبحانه ثناؤه عليه عند ملائكته ، وصلاة الملائكة الدعاء. وروى الترمذي في سننه عن سفيان الثوري ، وغير واحد من أهل العلم أنهم قالوا : صلاة الربّ : الرحمة ، وصلاة الملائكة : الاستغفار. وحكى الواحدي عن مقاتل أنه قال : أما صلاة الربّ : فالمغفرة ، وأما صلاة الملائكة : فالاستغفار. وقال عطاء بن أبي رباح : صلاته تبارك وتعالى سبوح قدوس سبقت رحمتي غضبي. والمقصود من هذه الآية أن الله سبحانه أخبر عباده بمنزلة نبيه في الملأ الأعلى بأنه يثني عليه عند ملائكته ، وأن الملائكة