والتقدير : إن الذين يؤذون أولياء الله ، وأما أذية رسوله فهي كلّ ما يؤذيه من الأقوال والأفعال ، ومعنى اللعنة : الطرد والإبعاد من رحمته ، وجعل ذلك في الدنيا والآخرة لتشملهم اللعنة فيهما بحيث لا يبقى وقت من أوقات محياهم ومماتهم إلا واللعنة واقعة عليهم ومصاحبة لهم (وَأَعَدَّ لَهُمْ) مع ذلك اللعن (عَذاباً مُهِيناً) يصيرون به في الإهانة في الدار الآخرة ، لما يفيده معنى الإعداد من كونه في الدار الآخرة. ثم لما فرغ من الذمّ لمن آذى الله ورسوله ذكر الأذية لصالحي عباده فقال : (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ) بوجه من وجوه الأذى من قول أو فعل ، ومعنى (بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا) أنه لم يكن ذلك لسبب فعلوه يوجب عليهم الأذية ، ويستحقونها به ، فأما الأذية للمؤمن والمؤمنة بما كسبه مما يوجب عليه حدّا أو تعزيرا أو نحوهما ، فذلك حق أثبته الشرع وأمر أمرنا الله به وندبنا إليه ، وهكذا إذا وقع من المؤمنين والمؤمنات الابتداء بشتم لمؤمن أو مؤمنة أو ضرب ، فإن القصاص من الفاعل ليس من الأذية المحرّمة على أي وجه كان ما لم يجاوز ما شرعه الله. ثم أخبر عما لهؤلاء الذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقال : (فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً) أي : ظاهرا واضحا لا شك في كونه من البهتان والإثم ، وقد تقدّم بيان حقيقة البهتان ، وحقيقة الإثم.
وقد أخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس (يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِ) يبرّكون. وأخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ في العظمة ، وابن مردويه عن ابن عباس أن بني إسرائيل قالوا لموسى : هل يصلي ربك؟ فناداه ربه : يا موسى سألوك هل يصلي ربك؟ فقل نعم أنا أصلي وملائكتي على أنبيائي ورسلي ، فأنزل الله على نبيه (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِ) الآية. وأخرج ابن مردويه عنه قال : إن صلاة الله على النبيّ : هي المغفرة ، إن الله لا يصلي ولكن يغفر ، وأما صلاة الناس على النبيّ فهي الاستغفار له. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس أنه قرأ صلّوا عليه كما صلىاللهعليهوسلموا تسليما. وأخرج سعيد بن منصور ، وعبد بن حميد ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه عن كعب بن عجرة قال : لما نزلت (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِ) الآية ، قلنا : يا رسول الله! قد علمنا السلام عليك فكيف الصلاة عليك؟ قال : قولوا اللهم صلّ على محمّد وعلى آل محمّد كما صلّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد ، وبارك على محمّد وعلى آل محمّد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد. وأخرجه البخاري ، ومسلم ، وغيرهما من حديثه بلفظ : قال رجل يا رسول الله : أما السلام عليك فقد علمناه فكيف الصلاة عليك قال : قل اللهم صلّ على محمّد وعلى آل محمّد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد ، اللهم بارك على محمّد وعلى آل محمّد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد. وأخرج ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وأحمد ، والنسائي من حديث طلحة بن عبيد الله قال : قلت : يا رسول الله كيف الصلاة عليك؟ قال : قل اللهم صلّ على محمّد وعلى آل محمّد ، كما صليت على إبراهيم ، وآل إبراهيم إنك حميد مجيد ، وبارك على محمّد وعلى آل محمّد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد. وفي الأحاديث اختلاف ، ففي بعضها على إبراهيم فقط ، وفي بعضها على آل إبراهيم فقط ، وفي بعضها بالجمع بينهما كحديث طلحة هذا. وأخرج البخاري ، ومسلم ، وغيرهما من حديث أبي حميد الساعدي أنهم قالوا : يا رسول الله! كيف نصلى