في الآية قال : كانت الحرّة تلبس لباس الأمة فأمر الله نساء المؤمنين أن يدنين عليهن من جلابيبهن ، وإدناء الجلباب أن تقنع وتشدّه على جبينها. وأخرج ابن سعد عن محمّد بن كعب في قوله : (لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ) يعني : المنافقين بأعيانهم (وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) شك : يعني المنافقين أيضا. وأخرج ابن سعد أيضا عن عبيد ابن جبر قال : (الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ) هم : المنافقون جميعا. وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : (لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ) قال : لنسلطنك عليهم.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى فَبَرَّأَهُ اللهُ مِمَّا قالُوا وَكانَ عِنْدَ اللهِ وَجِيهاً (٦٩) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (٧٠) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظِيماً (٧١) إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً (٧٢) لِيُعَذِّبَ اللهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ وَيَتُوبَ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً (٧٣))
قوله : (لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى) هو قولهم : إن به أدرة أو برصا أو عيبا ، وسيأتي بيان ذلك آخر البحث ، وفيه تأديب للمؤمنين ، وزجر لهم عن أن يدخلوا في شيء من الأمور التي تؤذي رسول الله قال مقاتل : وعظ الله المؤمنين أن لا يؤذوا محمّدا صلىاللهعليهوسلم كما آذى بنو إسرائيل موسى. وقد وقع الخلاف فيما أوذي به نبينا محمّد صلىاللهعليهوسلم حتى نزلت هذه الآية ، فحكى النقاش أن أذيتهم محمّدا قولهم زيد بن محمّد. وقال أبو وائل : إنه صلىاللهعليهوسلم قسم قسما ، فقال رجل من الأنصار : إن هذه قسمة ما أريد بها وجه الله ، وقيل : نزلت في قصة زيد بن ثابت ، وزينب بنت جحش ، وما سمع فيها من قالة الناس ، ومعنى : (وَكانَ عِنْدَ اللهِ وَجِيهاً) وكان عند الله عظيما ذا وجاهة ، والوجيه عند الله : العظيم القدر ، الرفيع المنزلة ، وقيل في تفسير الوجاهة : إنه كلمه تكليما. قرأ الجمهور «وكان عند الله» بالنون على الظرفية المجازية ، وقرأ ابن مسعود والأعمش وأبو حيوة «عبد الله» بالباء الموحدة من العبودية ، وما في قوله : (فَبَرَّأَهُ اللهُ مِمَّا قالُوا) هي : الموصولة أو المصدرية ، أي : من الذي قالوه ، أو من قولهم : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ) أي : في كلّ أمر من الأمور (وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً) أي : قولا صوابا وحقا. قال قتادة ومقاتل : يعني قولوا قولا سديدا في شأن زيد وزينب ، ولا تنسبوا النبي صلىاللهعليهوسلم إلى ما لا يحلّ. وقال عكرمة : إن القول السديد : لا إله إلا الله. وقيل : هو الذي يوافق ظاهره باطنه ، وقيل : هو ما أريد به وجه الله دون غيره ، وقيل : هو الإصلاح بين الناس. والسديد : مأخوذ من تسديد السهم ليصاب به الغرض ، والظاهر من الآية أنه أمرهم بأن يقولوا قولا سديدا في جميع ما يأتونه ويذرونه ، فلا يخص ذلك نوعا دون نوع ، وإن لم يكن في اللفظ ما يقتضي العموم ، فالمقام يفيد هذا المعنى ، لأنه أرشد سبحانه عباده إلى أن يقولوا قولا يخالف أهل الأذى. ثم ذكر ما لهؤلاء الذين امتثلوا الأمر بالتقوى ، والقول السديد من الأجر فقال : (يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ) أي : يجعلها صالحة لا فاسدة بما يهديهم إليه ويوفقهم فيه (وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) أي : يجعلها مكفرة مغفورة (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ)