لذنوبهم (وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) وهو الجنة بسبب إيمانهم ، وعملهم الصالح مع التفضل عليهم من الله سبحانه. ثم ذكر فريق الكافرين الذين يعاقبون عند إتيان الساعة فقال : (وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ) أي سعوا في إبطال آياتنا المنزلة على الرسل ، وقدحوا فيها وصدوا الناس عنها ، ومعنى «معاجزين» مسابقين يحسبون أنهم يفوتوننا ولا يدركون ، وذلك باعتقادهم أنهم لا يبعثون ، يقال عاجزه أو عجزه : إذا غالبه وسبقه. قرأ الجمهور (مُعاجِزِينَ) وقرأ ابن كثير وابن محيصن وحميد ومجاهد وأبو عمرو «معجزين» أي : مثبطين للناس عن الأيمان بالآيات (أُولئِكَ) أي : الذين سعوا (لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ) الرجز : هو العذاب ، فمن للبيان ، وقيل : الرجز هو أسوأ العذاب وأشدّه ، والأوّل أولى ، ومن ذلك قوله : (فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِنَ السَّماءِ) قرأ الجمهور «أليم» بالجرّ صفة لرجز ، وقرأ ابن كثير ، وحفص عن عاصم بالرفع صفة لعذاب ، والأليم : الشديد الألم (وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَ) لما ذكر الذين سعوا في إبطال آيات الله ذكر الذين يؤمنون بها ، ومعنى (وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) أي : يعلمون وهم الصحابة. وقال مقاتل : هم مؤمنو أهل الكتاب ، وقيل : جميع المسلمين ، والموصول : هو المفعول الأوّل ليرى ، والمفعول الثاني : الحقّ ، والضمير : هو ضمير الفصل. وبالنصب قرأ الجمهور وقرأ ابن أبي عبلة بالرفع على أنه خبر الضمير ، والجملة : في محل نصب على أنها المفعول الثاني ، وهي لغة تميم ، إنهم يرفعون ما بعد ضمير الفصل ، والجملة : في محل نصب على أنها المفعول الثاني ، وهي لغة تميم ، فإنهم يرفعون ما بعد ضمير الفصل ، وزعم الفرّاء أن الاختيار الرفع ، وخالفه غيره وقالوا النصب أكثر. قيل وقوله : (يَرَى) معطوف على ليجزي ، وبه قال الزجاج والفراء ، واعترض عليهما بأن قوله : «ليجزي» متعلق بقوله : «لتأتينكم» ولا يقال لتأتينكم الساعة ليرى الذين أوتوا العلم أن القرآن حق ، والأولى أنه كلام مستأنف لدفع ما يقوله الذين سعوا في الآيات ، أي : إن ذلك السعي منهم يدلّ على جهلهم لأنهم مخالفون لما يعلمه أهل العلم في شأن القرآن (وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) معطوف على الحق عطف فعل على اسم ، لأنه في تأويله كما في قوله : (صافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ) أي : وقابضات كأنه قيل : وهاديا ، وقيل إنه مستأنف وفاعله ضمير يرجع إلى فاعل أنزل ، وهو القرآن ، والصراط : الطريق ، أي : ويهدي إلى طريق (الْعَزِيزِ) في ملكه (الْحَمِيدِ) عند خلقه ، والمراد : أنه يهدي إلى دين الله وهو التوحيد. ثم ذكر سبحانه نوعا آخر من كلام منكري البعث فقال : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا) أي : قال بعض لبعض (هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ) ، يعنون محمّد صلىاللهعليهوسلم أي : هل نرشدكم إلى رجل (يُنَبِّئُكُمْ) أي : يخبركم بأمر عجيب ، ونبأ غريب هو أنكم (إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ) أي : فرقتم كلّ تفريق وقطعتم كلّ تقطيع وصرتم بعد موتكم رفاتا وترابا (إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ) أي : تخلقون خلقا جديدا ، وتبعثون من قبوركم أحياء ، وتعودون إلى الصور التي كنتم عليها ، قال هذا القول بعضهم لبعض استهزاء بما وعدهم الله على لسان رسوله من البعث ، وأخرجوا الكلام مخرج التلهي به والتضاحك مما يقوله من ذلك ، «وإذا» في موضع نصب بقوله : (مُزِّقْتُمْ). قال النحاس : ولا يجوز أن يكون العامل فيها ينبئكم لأنه ليس يخبرهم ذلك الوقت ، ولا يجوز أن يكون العامل فيها ما بعد إنّ لأنه لا يعمل فيما قبلها.