وأجاز الزجاج أن يكون العامل فيها محذوفا ، والتقدير : إذا مزّقتم كلّ ممزّق بعثتم ، أو نبئتم بأنكم تبعثون إذا مزقتم ، وقال المهدوي : لا يجوز أن يعمل فيه مزقتم لأنه مضاف إليه والمضاف إليه لا يعمل في المضاف. وأصل المزق : خرق الأشياء ، يقال : ثوب مزيق ، وممزق ، ومتمزق ، وممزوق. ثم حكى سبحانه عن هؤلاء الكفار أنهم ردّدوا ما وعدهم به رسول الله صلىاللهعليهوسلم من البعث بين أمرين فقالوا : (أَفْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ) أهو كاذب فيما قاله أم به جنون بحيث لا يعقل ما يقوله ، والهمزة في أفترى هي همزة الاستفهام وحذفت لأجلها همزة الوصل كما تقدّم في قوله : (أَطَّلَعَ الْغَيْبَ) ثم ردّ عليهم سبحانه ما قالوه في رسوله فقال : (بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ) أي : ليس الأمر كما زعموا ، بل هم الذين ضلوا عن الفهم وإدراك الحقائق ، فكفروا بالآخرة ولم يؤمنوا بما جاءهم به ، فصاروا بسبب ذلك في العذاب الدائم في الآخرة وهم اليوم في الضلال البعيد عن الحق غاية البعد. ثم وبخهم سبحانه بما اجترءوا عليه من التكذيب ؛ مبينا لهم أن ذلك لم يصدر منهم إلا لعدم التفكر والتدبر في خلق السماء والأرض ، وأن من قدر على هذا الخلق العظيم لا يعجزه أن يبعث من مخلوقاته ما هو دون ذلك ، ويعيده إلى ما كان عليه من الذات والصفات ، ومعنى (إِلى ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ) أنهم إذا نظروا رأوا السماء خلفهم وقدّامهم ، وكذلك إذا نظروا في الأرض ؛ رأوها خلفهم وقدّامهم ، فالسماء والأرض محيطتان بهم فهو القادر على أن ينزل بهم ما شاء من العذاب بسبب كفرهم ، وتكذيبهم لرسوله ، وإنكارهم للبعث ، فهذه الآية اشتملت على أمرين : أحدهما أن هذا الخلق الذي خلقه الله من السماء والأرض يدلّ على كمال القدرة على ما هو دونه من البعث كما في قوله : (أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ) (١). والأمر الآخر : التهديد لهم بأن من خلق السماء والأرض على هذه الهيئة التي قد أحاطت بجميع المخلوقات فيهما قادر على تعجيل العذاب لهم (إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ) كما خسف بقارون (أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً) أي : قطعا (مِنَ السَّماءِ) كما أسقطها على أصحاب الأيكة ؛ فكيف يأمنون ذلك. قرأ الجمهور (إِنْ نَشَأْ) بنون العظمة ، وكذا نخسف ونسقط. وقرأ حمزة والكسائي بالياء التحتية في الأفعال الثلاثة ؛ أي : إن يشأ الله. وقرأ الكسائي وحده بإدغام الفاء في الباء في (نَخْسِفْ بِهِمُ). قال أبو علي الفارسي : وذلك غير جائز لأن الفاء من باطن الشفة السفلى وأطراف الثنايا العليا بخلاف الباء ، وقرأ الجمهور «كسفا» بسكون السين. وقرأ حفص والسلمي بفتحها (إِنَّ فِي ذلِكَ) المذكور من خلق السماء والأرض (لَآيَةً) واضحة ودلالة بينة (لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ) أي : راجع إلى ربه بالتوبة والإخلاص وخصّ المنيب لأنه المنتفع بالتفكر.
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن السدّي في قوله : (يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ) قال : من المطر (وَما يَخْرُجُ مِنْها) قال : من النبات (وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ) قال : من الملائكة (وَما يَعْرُجُ فِيها) قال : الملائكة. وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : (مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ) قال : الرجز هو العذاب الأليم الموجع ، وفي قوله : (وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) قال : أصحاب محمّد. وأخرج
__________________
(١). يس : ٨١.