أخرى مما قالوا فقال : (أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً) أي : رجعة إلى الدنيا (فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) المؤمنين بالله الموحدين له ، المحسنين في أعمالهم ، وانتصاب أكون : إما لكونه معطوفا على كرّة فإنها مصدر وأكون في تأويل المصدر : كما في قول الشاعر :
للبس عباءة وتقرّ عيني |
|
أحبّ إليّ من لبس الشّفوف |
وأنشد الفرّاء على هذا :
فما لك منها غير ذكرى وخشية |
|
وتسأل عن ركبانها أين يمّموا |
وإما لكونه جواب التمني المفهوم من قوله : (لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً). ثم ذكر سبحانه جوابه على هذه النفس المتمنية المتعللة بغير علة فقال : (بَلى قَدْ جاءَتْكَ آياتِي فَكَذَّبْتَ بِها وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ). المراد بالآيات : هي الآيات التنزيلية وهو القرآن ، ومعنى التكذيب بها قوله : إنها ليست من عند الله وتكبر عن الإيمان بها ، وكان مع ذلك التكذيب والاستكبار من الكافرين بالله. وجاء سبحانه بخطاب المذكر في قوله : جاءتك وكذّبت واستكبرت وكنت ، لأن النفس تطلق على المذكر والمؤنث. قال المبرد : تقول العرب نفس واحد ، أي : إنسان واحد ، وبفتح التاء في هذه المواضع قرأ الجمهور. وقرأ الجحدري ، وأبو حيوة ، ويحيى ابن يعمر بكسرها في جميعها ، وهي قراءة أبي بكر ، وابنته عائشة ، وأمّ سلمة ، ورويت عن ابن كثير (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ) أي : ترى الذين كذبوا على الله بأن له شركاء وصاحبة وولدا وجوههم مسودّة لما أحاط بهم من العذاب ، وشاهدوه من غضب الله ونقمته ، وجملة «وجوههم مسودّة» في محل نصب على الحال. قال الأخفش : ترى غير عامل في وجوههم مسوّدة ، إنما هو مبتدأ وخبر ، والأولى أن ترى إن كانت من الرؤية البصرية ، فجملة «وجوههم مسودّة» حالية ، وإن كانت قلبية فهي في محل نصب على أنها المفعول الثاني لترى ، والاستفهام في قوله : (أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ) للتقرير ، أي : ليس فيها مقام للمتكبرين عن طاعة الله ، والكبر هو بطر الحقّ وغمط الناس كما ثبت في الحديث الصحيح (وَيُنَجِّي اللهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا) أي : اتقوا الشرك ومعاصي الله ، والباء في (بِمَفازَتِهِمْ) متعلقة بمحذوف هو حال من الموصول ، أي : متلبسين بمفازتهم. قرأ الجمهور بمفازتهم بالإفراد على أنها مصدر ميمي والفوز : الظفر بالخير ، والنجاة من الشرّ. قال المبرد : المفازة مفعلة من الفوز وهو السعادة ، وإن جمع فحسن : كقولك السعادة والسعادات. والمعنى ينجيهم الله بفوزهم ، أي : بنجاتهم من النار ، وفوزهم بالجنة. وقرأ حمزة ، والكسائي ، وأبو بكر بمفازاتهم جمع مفازة ، وجمعها مع كونها مصدر لاختلاف الأنواع ، وجملة (لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ) في محل نصب على الحال من الموصول ، وكذلك جملة (وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) في محل نصب على الحال : أي ينفي السوء والحزن عنهم ويجوز أن تكون الباء في بمفازتهم للسببية ، أي : بسبب فوزهم مع انتفاء مساس السوء لهم ، وعدم وصول الحزن إلى قلوبهم لأنهم رضوا بثواب الله ، وأمنوا من عقابه.
وقد أخرج ابن أبي حاتم قال السيوطي بسند صحيح وابن مردويه عن ابن عباس قال : أنزلت (قُلْ يا