والأرض. قرأ الجمهور «أشرقت» مبنيا للفاعل ، وقرأ ابن عباس ، وأبو الجوزاء ، وعبيد بن عمير على البناء للمفعول (وَوُضِعَ الْكِتابُ) قيل : هو اللوح المحفوظ. وقال قتادة : يعني الكتب والصحف التي فيها أعمال بني آدم فآخذ بيمينه وآخذ بشماله ، وكذا قال مقاتل. وقيل : هو من وضع المحاسب كتاب المحاسبة بين يديه ، أي : وضع الكتاب للحساب (وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ) أي : جيء بهم إلى الموقف فسئلوا عما أجابتهم به أممهم (وَالشُّهَداءِ) الذين يشهدون على الأمم من أمة محمد صلىاللهعليهوسلم كما في قوله : (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ) (١) وقيل : المراد بالشهداء الذين استشهدوا في سبيل الله ، فيشهدون يوم القيامة لمن ذبّ عن دين الله. وقيل : هم الحفظة كما قال تعالى : (وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ) (٢) (وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) أي : وقضى بين العباد بالعدل والصدق ، والحال أنهم لا يظلمون : أي لا ينقصون من ثوابهم ، ولا يزاد على ما يستحقونه من عقابهم (وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ) من خير وشرّ (وَهُوَ أَعْلَمُ بِما يَفْعَلُونَ) في الدنيا لا يحتاج إلى كاتب ، ولا حاسب ، ولا شاهد ، وإنما وضع الكتاب ، وجيء بالنبيين والشهداء لتكميل الحجة وقطع المعذرة. ثم ذكر سبحانه تفصيل ما ذكره من توفية كل نفس ما كسبت فقال : (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ زُمَراً) أي : سيق الكافرون إلى النار حال كونهم زمرا ، أي : جماعات متفرقة بعضها يتلو بعضا. قال أبو عبيدة والأخفش ، زمرا : جماعات متفرّقة بعضها إثر بعض ، ومنه قول الشاعر :
وترى الناس إلى أبوابه |
|
زمرا تنتابه بعد زمر |
واشتقاقه من الزمر ، وهو الصوت ، إذ الجماعة لا تخلو عنه (حَتَّى إِذا جاؤُها فُتِحَتْ أَبْوابُها) أي : فتحت أبواب النار ليدخلوها ، وهي سبعة أبواب ، وقد مضى بيان ذلك في سورة الحجر (وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها) جمع خازن نحو سدنة وسادن (أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ) أي : من أنفسكم (يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آياتِ رَبِّكُمْ) التي أنزلها عليهم (وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا) أي : يخوّفونكم لقاء هذا اليوم الذي صرتم فيه ، قالوا لهم هذا القول تقريعا وتوبيخا ، فأجابوا بالاعتراف ، ولم يقدروا على الجدل الذي كانوا يتعللون به في الدنيا لانكشاف الأمر وظهوره ، ولهذا (قالُوا بَلى) أي : قد أتتنا الرسل بآيات الله ، وأنذرونا بما سنلقاه (وَلكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ عَلَى الْكافِرِينَ) وهي (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) ، فلما اعترفوا هذا الاعتراف (قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ) التي قد فتحت لكم لتدخلوها وانتصاب (خالِدِينَ) على الحال ، أي : مقدّرين الخلود (فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ) المخصوص بالذم محذوف ، أي : بئس مثواهم جهنم ، وقد تقدّم تحقيق المثوى في غير موضع.
وقد أخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : (مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) قال : مفاتيحها. وأخرج أبو يعلى ، ويوسف القاضي في سننه ، وأبو الحسن القطان ، وابن
__________________
(١). البقرة : ١٤٣.
(٢). ق : ٢١.