الجوهري : والطول بالفتح المنّ يقال منه طال عليه ويطول عليه إذا امتنّ عليه. وقال محمد بن كعب : ذي الطول ذي التفضل. قال الماوردي : والفرق بين المنّ والتفضل أن المنّ عفو عن ذنب ، والتفضل إحسان غير مستحقّ. ثم ذكر ما يدلّ على توحيده وأنه الحقيق بالعبادة فقال : (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ) لا إلى غيره ، وذلك في اليوم الآخر. ثم لما ذكر أن القرآن كتاب الله أنزله ليهتدى به في الدين ذكر أحوال من يجادل فيه لقصد إبطاله فقال : (ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا) أي : ما يخاصم في دفع آيات الله وتكذيبها إلا الذين كفروا ، والمراد الجدال بالباطل ، والقصد إلى دحض الحقّ كما في قوله : (وَجادَلُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَ) ، فأما الجدال لاستيضاح الحقّ ، ورفع اللبس ، والبحث عن الراجح والمرجوح ، وعن المحكم والمتشابه ، ودفع ما يتعلق به المبطلون من متشابهات القرآن ، وردّهم بالجدال إلى المحكم فهو من أعظم ما يتقرّب المتقرّبون ، وبذلك أخذ الله الميثاق على الذين أوتوا الكتاب فقال : (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ) (١) قال : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) (٢) وقال : (وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (٣) (فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ) لما حكم سبحانه على المجادلين في آيات الله بالكفر ، نهى رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن أن يغترّ بشيء من حظوظهم الدنيوية فقال : فلا يغررك ما يفعلونه من التجارة في البلاد ، وما يحصلونه من الأرباح ، ويجمعونه من الأموال فإنهم معاقبون عما قليل ، وإن أمهلوا فإنهم لا يهملون. قال الزجاج : لا يغررك سلامتهم بعد كفرهم ، فإن عاقبتهم الهلاك. قرأ الجمهور «لا يغررك» بفك الإدغام. وقرأ زيد ابن علي ، وعبيد بن عمير بالإدغام. ثم بين حال من كان قبلهم ، وأن هؤلاء سلكوا سبيل أولئك في التكذيب فقال : (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزابُ مِنْ بَعْدِهِمْ) الضمير من بعدهم يرجع إلى قوم نوح ، أي : وكذبت الأحزاب الذين تحزبوا على الرسل من بعد قوم نوح كعاد وثمود (وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ) أي : همت كلّ أمة من تلك الأمم المكذبة برسولهم الذي أرسل إليهم ليأخذوه ليتمكنوا منه ، فيحبسوه ويعذبوه ويصيبوا منه ما أرادوا. وقال قتادة والسدّي : ليقتلوه ، والأخذ قد يرد بمعنى الإهلاك ، كقوله : (ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ) (٤) والعرب تسمى الأسير : الأخيذ (وَجادَلُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَ) أي : خاصموا رسولهم بالباطل من القول ليدحضوا به الحقّ ليزيلوه ، ومنه مكان دحض : أي مزلقة ومزلة أقدام ، والباطل : داحض لأنه يزلق ، ويزول فلا يستقرّ. قال يحيى بن سلام : جادلوا الأنبياء بالشرك ليبطلوا به الإيمان (فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ عِقابِ) أي : فأخذت هؤلاء المجادلين بالباطل ، فكيف كان عقابي الذي عاقبتهم به ، وحذف ياء المتكلم من عقاب اجتزاء بالكسرة عنها وصلا ووقفا لأنها رأس آية (وَكَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا) أي : وجبت وثبتت ولزمت ، يقال حقّ الشيء ؛ إذا لزم وثبت ، والمعنى : وكما حقت كلمة العذاب على الأمم المكذبة لرسلهم حقت على الذين كفروا به ، وجادلوك بالباطل ، وتحزبوا عليك ، وجملة (أَنَّهُمْ أَصْحابُ النَّارِ) للتعليل ، أي : لأجل أنهم مستحقون للنار. قال
__________________
(١). آل عمران : ١٨٧.
(٢). البقرة : ١٥٩.
(٣). العنكبوت : ٤٦.
(٤). الحج : ٤٤.