الأدلة على التوحيد أمر عباده بدعائه ، وإخلاص الدّين له فقال : (فَادْعُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) أي : إذا كان الأمر كما ذكر من ذلك فادعوا الله وحده مخلصين له العبادة التي أمركم بها (وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ) ذلك ، فلا تلتفتوا إلى كراهتهم ، ودعوهم يموتوا بغيظهم ويهلكوا بحسرتهم (رَفِيعُ الدَّرَجاتِ) وارتفاع رفيع الدرجات على أنه خبر آخر عن المبتدأ المتقدّم : أي هو الذي يريكم آياته ، وهو رفيع الدرجات ، وكذلك (ذُو الْعَرْشِ) خبر ثالث ، ويجوز أن يكون رفيع الدرجات : مبتدأ ، وخبره : «ذو العرش» ، ويجوز أن يكونا خبرين لمبتدأ محذوف ، ورفيع صفة مشبهة. والمعنى : رفيع الصفات ، أو رفيع درجات ملائكته : أي معارجهم ، أو رفيع درجات أنبيائه وأوليائه في الجنة. وقال الكلبي وسعيد بن جبير : رفيع السموات السبع ، وعلى هذا الوجه يكون رفيع بمعنى رافع ، ومعنى ذو العرش : مالكه وخالقه والمتصرف فيه ، وذلك يقتضي علوّ شأنه وعظم سلطانه ، ومن كان كذلك فهو الذي يحقّ له العبادة ويجب له الإخلاص ، وجملة (يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ) في محل رفع على أنها خبر آخر للمبتدأ المتقدّم أو للمقدّر ، ومعنى ذلك أنه سبحانه يلقي الوحي (عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) ، وسمي الوحي روحا ، لأن الناس يحيون به من موت الكفر. كما تحيا الأبدان بالأرواح وقوله : (مِنْ أَمْرِهِ) متعلق بيلقي ، و «من» لابتداء الغاية ، ويجوز أن يكون متعلقا بمحذوف على أنه حال من الروح ، ومثل هذه الآية قوله تعالى : (وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا) (١) وقيل الروح جبريل كما في قوله : (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ) (٢) وقوله : (نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِ) (٣) وقوله : (عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) هم الأنبياء ، ومعنى (مِنْ أَمْرِهِ) من قضائه (لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ) قرأ الجمهور «لينذر» مبنيا للفاعل ونصب اليوم ، والفاعل هو الله سبحانه أو الرسول أو من يشاء ، والمنذر به محذوف تقديره : لينذر العذاب يوم التلاق. وقرأ أبيّ وجماعة كذلك إلا أنه رفع اليوم على الفاعلية مجازا. وقرأ ابن عباس ، والحسن ، وابن السميقع «لتنذر» بالفوقية على أن الفاعل ضمير المخاطب وهو الرسول ، أو ضمير يرجع إلى الرّوح لأنه يجوز تأنيثها. وقرأ اليماني «لينذر» على البناء للمفعول ، ورفع يوم على النيابة ، ومعنى (يَوْمَ التَّلاقِ) يوم يلتقي أهل السموات والأرض في المحشر ، وبه قال قتادة. وقال أبو العالية ومقاتل : يوم يلتقي العابدون والمعبودون ، وقيل الظالم والمظلوم ، وقيل الأوّلون والآخرون ، وقيل جزاء الأعمال والعاملون ، وقوله : (يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ) بدل من يوم التلاق. وقال ابن عطية. هو منتصب بقوله : (لا يَخْفى عَلَى اللهِ) وقيل : منتصب بإضمار اذكر ، والأوّل أولى ، ومعنى بارزون : خارجون من قبورهم لا يسترهم شيء ، وجملة (لا يَخْفى عَلَى اللهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ) مستأنفة مبينة لبروزهم ويجوز أن تكون في محل نصب على الحال من ضمير بارزون ، ويجوز أن تكون خبرا ثانيا للمبتدأ : أي لا يخفى عليه سبحانه شيء منهم ولا من أعمالهم التي عملوها في الدنيا ، وجملة (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ) مستأنفة جواب عن سؤال مقدّر كأنه قيل : فماذا يقال عند بروز الخلائق في ذلك اليوم؟ فقيل : يقال لمن الملك اليوم؟ قال المفسرون : إذا هلك كل من في السموات والأرض ، فيقول الرّبّ تبارك وتعالى : (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ) يعني يوم القيامة
__________________
(١). الشورى : ٥٢.
(٢). الشعراء : ١٩٣ و ١٩٤.
(٣). النحل : ١٠٢.