فقال : أما كان فيكم رجل رشيد يقوم إلى هذا حين رآني كففت يدي عن بيعته فيقتله؟ فقالوا : ما يدرينا يا رسول الله ما في نفسك هلا اومأت إلينا بعينك؟ فقال : إنه لا ينبغي لنبي أن يكون له خائنة الأعين».
(أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ كانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثاراً فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ وَما كانَ لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ واقٍ (٢١) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللهُ إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ (٢٢) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ (٢٣) إِلى فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَقارُونَ فَقالُوا ساحِرٌ كَذَّابٌ (٢٤) فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا اقْتُلُوا أَبْناءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِساءَهُمْ وَما كَيْدُ الْكافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ (٢٥) وَقالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسادَ (٢٦) وَقالَ مُوسى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسابِ (٢٧) وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ وَقَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ (٢٨) يا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنا مِنْ بَأْسِ اللهِ إِنْ جاءَنا قالَ فِرْعَوْنُ ما أُرِيكُمْ إِلاَّ ما أَرى وَما أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشادِ (٢٩))
لما خوّفهم سبحانه بأحوال الآخرة ؛ أردفه ببيان تخويفهم بأحوال الدنيا فقال : (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ كانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ) أرشدهم سبحانه إلى الاعتبار بغيرهم ، فإن الذين مضوا من الكفار (كانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً) من هؤلاء الحاضرين من الكفار وأقوى (وَآثاراً فِي الْأَرْضِ) بما عمروا فيها من الحصون والقصور وبما لهم من العدد والعدّة ، فلما كذبوا رسلهم أهلكهم الله ، وقوله : (فَيَنْظُرُوا) إما مجزوم بالعطف على يسيروا ، أو منصوب بجواب الاستفهام ، وقوله : (كانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً) بيان للتفاوت بين حال هؤلاء وأولئك ، وقوله : (وَآثاراً) عطف على قوّة. قرأ الجمهور «أشدّ منهم» وقرأ ابن عامر «أشد منكم» على الالتفات (فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ) أي : بسبب ذنوبهم (وَما كانَ لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ واقٍ) أي من دافع يدفع عنهم العذاب ، وقد مرّ تفسير هذه الآية في مواضع ، والإشارة بقوله : (ذلِكَ) إلى ما تقدّم من الأخذ (بِأَنَّهُمْ كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) أي : بالحجج الواضحة (فَكَفَرُوا) بما جاءوهم به (فَأَخَذَهُمُ اللهُ إِنَّهُ قَوِيٌ) يفعل كلّ ما يريده لا يعجزه شيء (شَدِيدُ الْعِقابِ) لمن عصاه ولم يرجع إليه ، ثم ذكر سبحانه قصة موسى وفرعون ليعتبروا فقال : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا) هي التسع الآيات التي قد تقدّم ذكرها في غير موضع (وَسُلْطانٍ مُبِينٍ) أي : حجة بينة واضحة ، وهي التوراة (إِلى فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَقارُونَ فَقالُوا) إنه (ساحِرٌ كَذَّابٌ) أي : فيما جاء به ، وخصهم بالذكر لأنهم رؤساء المكذبين بموسى ، ففرعون الملك ، وهامان الوزير ، وقارون صاحب الأموال