قائمة الکتاب
سورة غافر (40)
٥٥٠
إعدادات
فتح القدير [ ج ٤ ]
فتح القدير [ ج ٤ ]
تحمیل
والكنوز (فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنا) وهي معجزاته الظاهرة الواضحة (قالُوا اقْتُلُوا أَبْناءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِساءَهُمْ) قال قتادة : هذا قتل غير القتل الأوّل ، لأن فرعون قد كان أمسك عن قتل الولدان وقت ولادة موسى ، فلما بعث الله موسى أعاد القتل على بني إسرائيل ، فكان يأمر بقتل الذكور ، وترك النساء ، ومثل هذا قول فرعون (سَنُقَتِّلُ أَبْناءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ) (١) (وَما كَيْدُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ) أي : في خسران ووبال ، لأنه يذهب باطلا ، ويحيق بهم ما يريده الله عزوجل (وَقالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى) إنما قال هذا لأنه كان في خاصة قومه من يمنعه من قتل موسى مخافة أن ينزل العذاب ، والمعنى : اتركوني أقتله (وَلْيَدْعُ رَبَّهُ) الذي يزعم أنه أرسله إلينا فليمنعه من القتل إن قدر على ذلك ، أي : لا يهولنكم ذلك فإنه لا ربّ له حقيقة ، بل أنا ربكم الأعلى ، ثم ذكر العلة التي لأجلها أراد أن يقتله فقال : (إِنِّي أَخافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ) الذي أنتم عليه من عبادة غير الله ويدخلكم في دينه الذي هو عبادة الله وحده (أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسادَ) أي : يوقع بين الناس الخلاف والفتنة ، جعل اللعين ظهور ما دعا إليه موسى ، وانتشاره في الأرض ، واهتداء الناس به فسادا ، وليس الفساد إلا ما هو عليه هو ومن تابعه. قرأ الكوفيون ويعقوب «أو أن يظهر» بأو التي للإبهام ، والمعنى : أنه لا بدّ من وقوع أحد الأمرين. وقرأ الباقون «وأن يظهر» بدون ألف على معنى وقوع الأمرين جميعا ، وقرأ نافع ، وابن كثير ، وأبو عمرو بفتح الياء من «إني أخاف» وقرأ نافع وأبو عمرو وحفص يظهر بضم الياء وكسر الهاء من أظهر ، وفاعله ضمير موسى ، والفساد نصبا على أنه مفعول به ، وقرأ الباقون بفتح الياء والهاء ، ورفع الفساد على الفاعلية (وَقالَ مُوسى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسابِ) قرأ أبو عمرو ، وحمزة ، والكسائي بإدغام الذال ، وقرأ الباقون بالإظهار ، لما هدّده فرعون بالقتل استعاذ بالله عزوجل من كلّ متعظم عن الإيمان بالله غير مؤمن بالبعث والنشور ، ويدخل فرعون في هذا العموم دخولا أوّليا (وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ) قال الحسن ، ومقاتل ، والسدّي : كان قبطيا ، وهو ابن عم فرعون ، وهو الذي نجا مع موسى ، وهو المراد بقوله : (وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعى قالَ يا مُوسى) (٢) الآية ، وقيل : كان من بني إسرائيل ولم يكن من آل فرعون وهو خلاف ما في الآية ، وقد تمحل لذلك بأن في الآية تقديما وتأخيرا ، والتقدير : وقال رجل مؤمن من بني إسرائيل يكتم إيمانه من آل فرعون. قال القشيري : ومن جعله إسرائيليا ففيه بعد ، لأنه يقال كتمه أمر كذا ولا يقال كتم منه كما قال سبحانه (وَلا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثاً) (٣) وأيضا ما كان فرعون يحتمل من بني إسرائيل مثل هذا القول.
وقد اختلف في اسم هذا الرجل ، فقيل : حبيب ، وقيل : حزقيل ، وقيل : غير ذلك ، قرأ الجمهور «رجل» بضم الجيم ، وقرأ الأعمش وعبد الوارث بسكونها ، وهي لغة تميم ونجد ، والأولى هي الفصيحة ، وقرئ بكسر الجيم «ومؤمن» صفة لرجل ، «ومن آل فرعون» صفة أخرى ، و «يكتم إيمانه» صفة ثالثة ، والاستفهام في (أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً) للإنكار ، و (أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ) في موضع نصب بنزع
__________________
(١). الأعراف : ١٢٧.
(٢). القصص : ٢٠.
(٣). النساء : ٤٢.