أُرِيكُمْ إِلَّا ما أَرى) قال ابن زيد : أي ما أشير عليكم إلا بما أرى لنفسي. وقال الضحاك : ما أعلمكم إلا ما أعلم ، والرؤية هنا هي القلبية لا البصرية ، والمفعول الثاني : هو إلا ما أرى (وَما أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشادِ) أي : ما أهديكم بهذا الرأي إلا طريق الحقّ. قرأ الجمهور «الرشاد» بتخفيف الشين ، وقرأ معاذ ابن جبل بتشديدها على أنها صيغة مبالغة كضرّاب. وقال النحاس : هي لحن ، ولا وجه لذلك.
وقد أخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : (وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ) قال : لم يكن في آل فرعون مؤمن غير امرأة فرعون ، وغير المؤمن الذي أنذر موسى الذي قال : (إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ) (١) قال ابن المنذر ، أخبرت أن اسمه حزقيل. وأخرج عبد بن حميد عن أبي إسحاق قال : اسمه حبيب. وأخرج البخاري وغيره من طريق عروة قال : قيل لعبد الله بن عمرو بن العاص أخبرنا بأشدّ شيء صنعه المشركون برسول الله صلىاللهعليهوسلم ، قال : بينا رسول الله صلىاللهعليهوسلم يصلي بفناء الكعبة إذ أقبل عقبة بن أبي معيط فأخذ بمنكب رسول الله صلىاللهعليهوسلم ولوى ثوبه في عنقه فخنقه خنقا شديدا ، فأقبل أبو بكر فأخذ بمنكبيه ودفعه عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم ثم قال (أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ وَقَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ مِنْ رَبِّكُمْ). وأخرج أبو نعيم في فضائل الصحابة والبزار عن عليّ بن أبي طالب أنه قال : أيها الناس أخبروني من أشجع الناس؟ قالوا أنت. قال : أما أني ما بارزت أحدا إلا انتصفت منه ولكن أخبروني بأشجع الناس؟ قالوا لا نعلم فمن؟ قال أبو بكر ، رأيت رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأخذته قريش ، فهذا يجؤه وهذا يتلتله (٢) ، وهم يقولون أنت الذي جعلت الآلهة إلها واحدا ، قال : فو الله ما دنا منا أحد إلا أبو بكر يضرب هذا ويجيء هذا ويتلتل هذا ، وهو يقول : ويلكم أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله؟ ثم رفع بردة كانت عليه ، فبكى حتى اخضلّت لحيته ، ثم قال : أنشدكم أمؤمن آل فرعون خير أم أبو بكر؟ فسكت القوم ، فقال : ألا تجيبون؟ فو الله لساعة من أبي بكر خير من مثل مؤمن آل فرعون ، ذاك رجل يكتم إيمانه وهذا رجل أعلن إيمانه.
(وَقالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزابِ (٣٠) مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ (٣١) وَيا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنادِ (٣٢) يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ ما لَكُمْ مِنَ اللهِ مِنْ عاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (٣٣) وَلَقَدْ جاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّناتِ فَما زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولاً كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتابٌ (٣٤) الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ (٣٥) وَقالَ فِرْعَوْنُ يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ (٣٦) أَسْبابَ السَّماواتِ فَأَطَّلِعَ إِلى إِلهِ مُوسى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كاذِباً وَكَذلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَما كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلاَّ فِي تَبابٍ (٣٧) وَقالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ
__________________
(١). القصص : ٢٠.
(٢). «يجؤه» : يضربه. و «يتلتله» : يحرّكه بعنف.