مذهب أهل السنة ، فإن كان يقول بقول المعتزلة وهو أن القدرة تتعلق بما لم يشأ الله مشى كلامه ، ولكنه مذهب رديء لا يجوز اعتقاده (وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) أي : وما أصابكم من المصائب كائنة ما كانت فبسبب ما كسبت أيديكم من المعاصي. قرأ نافع ، وابن عامر «بما كسبت» بغير فاء ، وقرأ الباقون بالفاء ، (وَما) في (أَصابَكُمْ) هي الشرطية ، ولهذا دخلت الفاء في جوابها على قراءة الجمهور ، ولا يجوز حذفها عند سيبويه والجمهور ، وجوّز الأخفش الحذف كما في قوله : (وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ) (١) وقول الشاعر :
من يفعل الحسنات الله يشكرها |
|
والشّرّ بالشّرّ عند الله مثلان |
وقيل : هي الموصولة ، فيكون الحذف والإثبات جائزين ، والأوّل أولى. قال الزجاج : إثبات الفاء أجود لأن الفاء مجازاة جواب الشرط ، ومن حذف الفاء فعلى أن : ما ، في معنى : الذي ، والمعنى : الذي أصابكم وقع بما كسبت أيديكم. قال الحسن : المصيبة هنا الحدود على المعاصي ، والأولى الحمل على العموم كما يفيده وقوع النكرة في سياق النفي ، ودخول من الاستغراقية عليها (وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ) من المعاصي التي يفعلها العباد ؛ فلا يعاقب عليها ، فمعنى الآية : أنه يكفر عن العبد بما يصيبه من المصائب ، ويعفو عن كثير من الذنوب. وقد ثبتت الأدلة الصحيحة أن جميع ما يصاب به الإنسان في الدنيا يؤجر عليه ، أو يكفر عنه من ذنوبه. وقيل : هذه الآية مختصة بالكافرين على معنى : أن ما يصابون به بسبب ذنوبهم من غير أن يكون ذلك مكفرا عنهم لذنب ولا محصلا لثواب ، ويترك عقوبتهم عن كثير من ذنوبهم فلا يعاجلهم في الدنيا بل يمهلهم إلى الدار الآخرة. والأولى حمل الآية على العموم ، والعفو يصدق على تأخير العقوبة كما يصدق على محو الذنب ورفع الخطاب به. قال الواحدي : وهذه أرجى آية في كتاب الله لأنه جعل ذنوب المؤمنين صنفين : صنف كفره عنهم بالمصائب ، وصنف عفا عنه في الدنيا ، وهو كريم لا يرجع في عفوه ، فهذه سنة الله مع المؤمنين. وأما الكافر فإنه لا يعجل له عقوبة ذنبه حتى يوافي به يوم القيامة (وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ) أي : بفائتين عليه هربا في الأرض ولا في السماء لو كانوا فيها بل ما قضاه عليهم من المصائب واقع عليهم نازل بهم (وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍ) يواليكم فيمنع عنكم ما قضاه الله (وَلا نَصِيرٍ) ينصركم من عذاب الله في الدنيا ولا في الآخرة. ثم ذكر سبحانه آية أخرى من آياته العظيمة الدالة على توحيده وصدق ما وعد به فقال : (وَمِنْ آياتِهِ الْجَوارِ) قرأ نافع ، وأبو عمرو «الجواري» بإثبات الياء في الوصل ، وأما في الوقف فإثباتها على الأصل وحذفها للتخفيف ، وهي السفن واحدتها جارية ، أي : سائرة (فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ) أي : الجبال جمع علم وهو الجبل ، ومنه قول الخنساء :
وإنّ صخرا لتأتمّ الهداة به |
|
كأنّه علم في رأسه نار |
قال الخليل : كلّ شيء مرتفع عند العرب فهو علم. وقال مجاهد : الأعلام القصور واحدها علم (إِنْ
__________________
(١). الأنعام : ١٢١.